معهد الخوئي | Al-Khoei Institute

معهد الخوئي | Al-Khoei Institute
  • الإمام الخوئي
  • المكتبة المرئية
  • المكتبة الصوتية
  • المكتبة
  • الاستفتاءات

لمحة تاريخية عن الأقليات الدينية في العراق

  • ١٢١٨٣
  •  

 لمحة تاريخية عن الأقليات الدينية في العراق


الأقليات الدينية في العراق


تاريخها وعقائدها


 جواد الخوئي


 


 


المقدمة


هناك نِعمٌ كثيرة أنعم الله بها على الإنسان، منها خفية، ومنها جلية. ومن هذه النعم نرى تعدد القوميات والأديان في بلد مثل العراق, وقلّ ما يحصل في غيره من البلدان العربية, وربما هذا هو السبب الذي جعل العراق دائماً سبّاقاً ورائداً في الجانب العلمي، والأدبي، والفني, فكان محطّ رحال العلماء، والفنانين، والفلاسفة، والأطباء وغيرهم من طلاب المعرفة والحقيقة، حيث تنتهي أمنياتهم بأن يكونوا من خريجي المدارس العراقية وحسب، سواء البابلية أو البغدادية أو البصرية أو الكوفية. وكذلك نرى أنّ الأديان، السماوية الرئيسة بشكل أو بآخر لها علقة خاصة بأرض (بلاد ما بين النهرين) العراق.


 نعم، بكلّ فخر واعتزاز نقول: إنّ حضارة العراق كانت من أقدم حضارات الكون، حيث يمتد عمرها إلى 6000 سنة، فعلى هذه الأرض قامت حضارة سومر، وأكد، وآشور، وبابل, ووضعت ـ هذه الأخيرة ـ أقدم قانون في البسيطة لتنظيم الأُمور الاجتماعية على يد حمورابي (حوالي 1750 ق.م) في 250بنداً. 


العراق بلد ادم ونوح وإبراهيم وهود وصالح× ، وأنبياء ورسل آخرين .. بلد عليّ بن أبي طالب، وبلد الأئمة (عليهم السلام) من ذرية رسول الله’ .. بلد فقهاء المسلمين كأبي حنيفة النعمان, والشافعي، وغيرهم.. بلد العلماء والأُدباء.


ألا يجدر بنا أن نحافظ على هذا المتحف العالمي النموذجي؟


متحف الأديان والمذاهب والثقافات والقوميات.


وهل هناك أحرص من العراقي على العراق؟


فلننطلق من مقولة العراق للعراقيين, وكلنا للعراق.


نعم، العراق للصابئي، واليهودي، والمسيحي، واليزيدي، والبهائي، والمسلم السني والشيعي.. والعراق للكرد، والعرب، والتركمان. فلنرع بأمانة هذه الحديقة بورودها الجميلة، فلولا تعدد الورود لما كان العراق عراقاً .


لقد وُجد العراق وهو متعدد ومتنوع القوميات والأديان والمذاهب والأذواق والأعراق.


أليس الفكر ينمو في مثل هذه الأجواء؟


إن الدين هو علاقة بين الإنسان وربه, ولا تتأثر هذه العلاقة في تقييم السلوك الإنساني إلاّ بمقدار تقويمه وتهذيبه، فإنّ الملاك لمعرفة الإنسان الحسن من السيئ هي المعاملة الحسنة والصادقة والأخلاق المحمودة ، فلا يجوز مدح إنسان أو ذمه على أساس الانتماء الديني.


فلنقف قليلاً عند وصايا لقمان لابنه، وهي الوصايا العشر المعروفة، التي تُعرّف الإنسان الحسن، وتنسجم مع فطرته().


فالطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق كما يقول العرفاء؛ ولأنّ كل دين يرى نفسه هو الحق بعينه والآخر الباطل بعينه, والأكثر يعبد الواحد الأحد, وروح الدين وجوهره موجود في أغلب الأديان خصوصاً عند أهل الكتاب، مثل: التوحيد, النبوة، والمعاد.


فلننطلق إذاً من مقولة رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي الآخر خطأ يحتمل الصواب, أو نغض النظر في علاقاتنا الاجتماعية عن الانتماءات الدينية للآخرين، ونتحاور على أساس كلنا بشر وكلنا إنسان, فلا يكون الدين حاجزاً بيننا. ويكفينا أننا كلنا أبناء أب واحد واُمّ واحدة, وكلنا ننتمي إلى أرض واحدة، ألا وهي العراق.


ليكن شعارنا مقولة الإمام عليّ× في رسالته لمالك الأشتر: «فَإنَّهم ـ الرعيَّة ـ صِنفَان: إِمَّا أَخ لَكَ فِي الدِّينِ، وَإمّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ»().


في هذا البحث سنتناول الأديان التي تعتبر أقلية بالنسبة للإسلام في بلاد ما بين النهرين سابقاً، العراق حديثاً. وبوصفنا لهم أقلية، فهذا لا يعني التقليل من انتمائهم الوطني أو التشكيك في حق المواطنة لهم، فهي ثابتة لكلّ شخص له دين أو لا ينتمي إلى دين أصلاً، وإن كان هو الوحيد في الانتماء إلى هذا الدين المحدد. 


فالمواطنة حق لكلّ من يسكن بلداً، ويصدق عليه عرفاً أنه ابن ذاك البلد، فما بالك إذا كان هو وآباؤه من مواليد وقاطني هذا البلد منذ قرون، وفي فترات كثيرة كانوا هم السكان الأصليين والأكثرية.


الغرض من هذا البحث هو إعطاء فكرة موجزة ومختصرة حول تأريخ الأقليات الدينية الموجودة حالياً في العراق، مستعرضين لها من الأقدم إلى الأحدث، وستكون لنا وقفات وجولات قصيرة عن نشأتهم، وكيفية تأسيس ديانتهم، ومن هو نبيهم، وما هو كتابهم، وما هي أهم طوائفهم، وما هي معتقداتهم وأحكامهم، وعدد نفوسهم، ومكان تواجدهم، وطبيعة حياتهم. ولم ندخل في أعماق المطالب العلمية خشية الإطالة التي لم نقصدها في بحثنا, لكننا سنمر عليها، وربما نقف على الرأي المشهور بين الباحثين دون الخوض في النقاش والتحليل. ولقد سعينا جهدنا في التأكد من صحة المعلومات من المصادر الأصلية لكل دين من الأديان التي سنتناولها في بحثنا هذا، وهي:


1 ـ الصابئة


2 ـ اليهود


3 ـ المسيح


4 ـ اليزيدية


5 ـ البهائية


ويلاحظ القارئ أنني لم أذكر الدروز() والشبك والكاكائية؛ وذلك لأنهم مسلمون ينطقون بالشهادتين.


 


الفصل الأول: الصابئة المندائيون


 الفصل الأول


 


الصابئة المندائيون


 


توطئة


 


ورد ذكر الصابئة في القرآن الكريم في ثلاثة موارد، هي على التوالي:


{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}().


{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}().


{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ شَهِيدٌ}().


تعتبر الديانة الصابئية من أقدم الديانات السماوية التي عرفتها البشرية في العالم، وفي العراق خصوصاً. ويعتقد أنهم من أهل الكتاب عند المشهور من الباحثين .


إنّ فهم الديانة الصابئية داخله خلط واختلاف بين الكتاب والباحثين، حالها حال بعض الأديان, وذلك يعود إلى الغموض أولاً، والدس ثانياً، الأمر الذي منع من فهمها فهماً صحيحاً على حقيقتها. ولا تُستثنى هذه الديانة ـ أيضاً ـ من التهم والأباطيل.


إذن، المقصود من الصابئة في بحثنا هم الصابئة المندائيون الذين أشارت إليهم الآيات القرآنية، لا الصابئة الحرانيون من عبدة الكواكب, حيث يعدّون من الوثنيين.


ولقد جاء الخلط عند بعض المعنيين بأُمور الأديان بين هؤلاء وأُولئك بسبب الظروف القاسية التي أجبرت المندائيين على الهجرة من بلاد الشام إلى مدينة حرّان التي يتواجد فيها الصابئة الحرّانييون, وهي مدينة قديمة في تركيا في منطقة الجزيرة (جزيرة أقور)، وما يسمّى ببلاد ما بين النهرين, موطن إبراهيم الخليل بعد هجرته من أُور. كان فيها مدرسة ثقافية عنيت بالفلك والرياضيات. لمع فيها أبو جعفر الخازن، واشتهرت بعلماء الصابئة من فلاسفة وأطباء ومترجمين() أمثال ثابت بن قرة الحراني الرياضي والفلكي وإبنه سنان الطبيب. 


 آثرنا ـ هنا ـ مجرّد الإشارة إلى هذا الخلط سلفاً، حتى لا يقع الالتباس لدى القارئ بين فرقتي الصائبة. 


كما أودّ الإشارة وإلفات نظر القارئ إلى مراجعة كتاب (الصابئة المندائيون) ترجمة نعيم بدوي، وغضبان رومي. باعتبار أنّ هذا الكتاب يعدّ من أهم الكتب التي اُلفت عن الديانة الصابئية المندائية، وهو من تأليف الخبيرة في الشؤون المندائية المستشرقة الإنجليزية الليدي دراوور، التي عاشت مع أبناء هذه الطائفة لمدة أربع عشرة سنة. 


لكن هذا لا يمانع من وجود التداخل في الطقوس بين الديانتين, كما هو الحال في جملة من الديانات التي يوجد تشابه ما في بعض عقائدها وشعائرها . 


ويعزو بعض الباحثين المندائيين كنعيم بدوي وغضبان رومي في مقدمة ترجمتهما لكتاب (الصابئة المندائيون) سبب غموض بعض عقائدهم إلى تكتم رجال الدين الصابئين، والطبيعة الانزوائية لرجال دينهم, حيث عبّرا عن ذلك بالقول: ().


 


المعنى اللغوي للصابئة


1 ـ قال الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت/175هـ): صَبَأَ فلان، أي دان بدين الصابئين، وهم قوم دينهم شبيه بدين النصارى، إلاّ أنّ قبلتهم نحو مهبّ الجنوب()، حيال منتصف النهار. يزعمون أنهم على دين نوح، [وهم كاذبون]().


ويقال: صَبَأتَ يا هذا. وصَبَأَ ناب البعير: إذا طلع حدّه()


2 ـ أمّا أبو منصور الأزهري (ت/370هـ)، صاحب تهذيب اللغة، فقد نقل عن أبي زيد قوله: صَبَأَ الرجل في دينه يصْبَأُ صُبُوءَاً: إذا كان صابئاً.


وقال أبو إسحاق [الزجّاج] في قوله تعالى: {وَالصَّابِئِينَ}()؛ معناه الخارجين من دين إلى دين() . ويقال: صَبَأَ فلان يصْبَأُ: إذا خرج من دينه. قال: وصَبَأَتْ النجوم: إذا ظهرت..


وكان يقال للرجل إذا أسلم في زمن النبيّ ’: قد صَبَأَ؛ عنوا أنه خرج من دين إلى دين().


وقال ابن الأعرابي: صَبَأَ عليه: إذا خرج عليه، ومال عليه بالعداوة. وجعل قوله (عليه الصلاة والسلام): «لتعودُنَّ فيها أساودَ صُبَّى» فُعَّلاً من هذا، خُفِّف همزه؛ أراد أنهم كالحيّات التي يميل بعضها على بعض().


3 ـ وأمّا صاحب المحيط في اللغة الصاحب بن عبّاد (ت/385هـ)، فقال: أصْبَأَ: إذا أضاء عند صُبُوْئه.


وصَبَأ فلان: دان بدين الصابئين.


وأصْبَأْتُ: على القوم إصْبَاءً: هجمتُ عليهم ولا أدري مكانهم. وصَبَأْتُ عليهم وأصْبَأْتُ : أي طرأتْ عليهم.


وصَبَأَ عليه : دَرَأَ عليه، وكذلك إذا دَلَّ عليه().


4 ـ وقال الجوهري (ت/393هـ) : صَبَأْتُ على القوم أصبَأُ صبأً وصُبُوءَاً: إذا طلعتُ عليهم. وصَبَأَتْ ثنية الغلام: طلعت.


قال أبو عبيدة : صَبَأَ من دينه إلى دين آخر كما تصْبَأُ النجوم، أي تخرج من مطالعها، وصَبَأَ أيضاً: إذا صار صابئاً().


5 ـ وقال الأسترآبادي النحوي (ت/686هـ) في شرح الشافية: صَبَأْتُ على القوم أصبَأُ صبْأً وصبعتُ عليهم أصبعُ صبعاً، وهما واحد، وهو أن تُدخل عليهم غيرهم().


6 ـ وأمّا ابن منظور (ت/711هـ)، فقد جاء في لسانه: صَبَأَ يَصْبَأُ صَبْأً وصبُوءاً، وصَبُؤَ يصْبُؤُ صَبْأً وصبُوءاً كلاهما: خرج من دين إلى دين آخر، كما تصبأ النجوم، أي تخرج من مطالعها.


وصبأ عليهم وأصبأ كلاهما: طلع عليهم..


وقُدِّم إليه طعام فما صبأ ولا أصبأ فيه، أي ما وضع فيه يده، عن ابن الأعرابي().


7 ـ قال القرطبي في تفسيره: والصابئين جمع صابئة، وقيل: صاب؛ ولذلك اختلفوا في همزه، وهمزه الجمهور إلاّ نافعاً. فمن همزه جعله من صبأت النجوم: إذا طلعت، وصبأت ثنيّة الغلام: إذا خرجت. ومن لم يهمز جعله من صبا يصبو: إذا مال.


فالصابئة في اللغة: من خرج ومال من دين إلى دين().


8 ـ أمّا الفيض الكاشاني فقد تابع القرطبيي فيما نُقل عنه، فقال: أقول: صبوا، أي ما لوا إن لم يُهمز، وخرجوا إن قُرئ بالهمزة().


 


المعنى الاصطلاحي للصابئة المندائيين


قال غضبان الرومي في كتاب مذكرات مندائية: <أنتمي دينياً إلى طائفة صغيرة تسمى الصابئة... ويسمون أنفسهم مندائي.


اشتقّت كلمة الصابئة من صبا sba الآرامية، وتعني من صبغ أو تعمُّد، وتعني بالعربية كل من خرج من دين إلى دين آخر. والكلمتان تعنيان شيئاً واحداً وهو الشخص يتبع العقيدة الصابئية>().


وعليه، يتضح أنّ كلمة (صبا) الآرامية تعني الارتماس بالماء، وبالعربية تعني الخروج من دين إلى دين, وهذا التفاوت في المعنى اللغوي لكلمة (صبا) العربية والآرامية شكل نوعاً من الالتباس في فهم حقيقة الديانة الصابئية.


وأمّا معنى المندائي، قال الرومي في موضع آخر من نفس الكتاب: <أمّا الكلمة الثانية التي يتسمى بها الصابئة فهي (مندائي)، وهذه تعني شيئين: فقد فسرها بعض علماء اللغات بأنها تعني (العارف)، ومن كلمة العارف أو المعرفة، اشتقّت كلمة المعرفين أي [Gnostic] ... وفي رأيي أنّ كلمة مندائي مشتقة من مند، وتعني: الموحّد، ومنها أُخذت مندي وتعني: محل العبادة أو التوحيد. وكلمة مندا اد هيي تعني: توحيد الله وعبادته>().


إذن، معنى المندائي: الموحّد أو العارف . 


الصابئة في أقوال العلماء والمفسرين


قال الشهرستاني في الملل والنحل: <الصابئة: وفي اللغة صبأ الرجل: إذا مال وزاغ , فبحكم ميل هؤلاء عن سنن الحق , وزيغهم عن نهج الأنبياء، قيل لهم: الصابئة>().


إلاّ أنّ هذا القول بعيد عن الصواب؛ لأنهم من أُولي الأديان السماوية، ومن أتباع يحيى بن زكريا, كما تؤكد ذلك كتبهم، كما سنلاحظ ذلك في كتابهم المقدس الكنزا ربا. فهم يعبدون الله الواحد الأحد، ويؤمنون بالآخرة والثواب العقاب، ويؤمنون بمجموعة من الأنبياء والرسل، مثلهم مثل باقي الأديان, فأين الانحراف والزيغ؟


وفي مجمع البيان للطبرسي، قال: <لأنهم ـ الصابئة ـ ليسوا بأهل كتاب>().


ونقل رشيد خيون في كتابه الأديان والمذاهب عن الإمام الخوئي& قوله: <الصابئي كان من أهل الكتاب كما هو الظاهر>(). ويفهم هذا المعنى من الكتب الفقهية الاستدلالية للإمام الخوئي.


فيما نقل السيد الوالد& في كتابه قبس من تفسير القرآن، قوله: ()، وقال& في موضع آخر <إنَ الصابئة المندائية من أهل الكتاب كما يظهر من الآيات الكريمة>(). وقال& باستقلال الصابئة عن اليهود والنصارى والمجوس.


قال الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير الأمثل: <يبدو مما سبق أنّ هؤلاء ـ الصابئة ـ أتباع يحيى بن زكريا الذي يسميه المسيحيون يحيى المعمد أو يوحنا المعمد>().


العلاّمة الطباطبائي نقل بدوره في تفسير الميزان حكاية عبد المسيح بن إسحاق الكندي عنهم، فقال: ().


وقال الرازي في التفسير الكبير في معرض نقله لأقوال المفسرين في تفسير مذهبهم: <وثالثها: وهو الأقرب أنهم قوم يعبدون الكواكب>().


تعليقاً على كلام الرازي أقوال: إذا كان يقصد الصابئة الحرانيين فهو كذلك, أما إذا كان يقصد الصابئة المندائيين فالأمر مختلف. والفارق بين الدينين أن الحرانيين وثنيون يعبدون الكواكب كما مرَّ سابقاً, أما المندائيون فيضفون عليها صفة القداسة دون مستوى العبادة, معتبرين الكواكب مصدراً من مصادر الفيض الإلهي، ومن وجودات الله المقدسة . 


والشاهد على سقم كلامه ما ذكره الكتاب المقدس للصابئة المندائيين الموسوم بالكنزا ربا، حيث جاء فيه:


«لا تمجدوا الشمس والقمر وهو الله الذي أمر وكان لهما وللكواكب هذا الضياء, لكي يُنيروا به الظلماء فإذا نادى الحي العظيم, سقطت كلها في قرار بهيم»().


وقال القرطبي: «والذي تحصل من مذهبهم ـ فيما ذكره بعض علمائنا ـ أنهم موحدون، معتقدون تأثير النجوم، وأنها فعالة»(). 


ويتضح مما ذكره القرطبي أنه الأقرب لفهم الديانة المندائية من غيره. 


 ونلاحظ في كتاب العلاقات الاجتماعية بين المسلمين وغير المسلمين للدكتور بدران أبو العينين بدران أنّ المؤلف لم يتمكن من تحديد موقفه اتجاه الصابئة؛ لكثرة الخلط في اعتقاداتهم عند الفقهاء والمفسرين، حيث نرى تناقض الأقوال التي ينقلها لنا نصاً: «والحق أنّ مسألتنا هذه لم تتوافر لديها وسائل الحكم الصحيح على الصابئة، إذ إننا لا نعرف شيئاً كثيراً عن حقيقتهم حتى تطمئن أنفسنا له...» (), ولكن حيرة المؤلف ليست في محلها. 


الغريب في الأمر أنّ الصابئة المندائيين يقطنون في بيئة إسلامية متمثلة في جنوب العراق، وجنوب إيران منذ آلاف السنين، ومع ذلك وقع فيهم كل هذا الغموض والاختلاف في الأقوال.


وهذا ما يؤكد الرأي الذي ملنا إليه من كون هذه الديانة ذات طابع باطني.


وذكر رشيد الخيون في كتابه الأديان والمذاهب: «... ولم ينته الأمر عند الفقهاء القدماء، بل تواتر إلى المعاصرين رغم كثرة الدراسات وتبدل أحوال المعرفة، إلاّ أنهم ظلوا يجهلون أمر الصابئة بداية من صاحب أكبر موسوعة فقهية (جواهر الكلام) النجفي من أعلام القرن التاسع عشر، وانتهاء بالفقهاء المعاصرين. فما عدا فتوى الإمام الخوئي، ورسالة لمرشد الدولة الإيرانية آية الله خامنئي لم نجد شيئاً مفيداً حول التعامل مع أهل هذا الدين»(). 


المندائيون اللغة والأصل


يذكر الشيخ ستار جبار حلو رئيس طائفة الصابئة المندائية: «قوميتنا مندائية آرامية، نحن مندائيون آراميون ونمتلك الخصائص القومية، لغتنا هي المندائية، وهي فرع من الآرامية. لدينا تاريخنا، ووجودنا يسبق الآشورية، لدينا دين، لدينا تراث، لدينا شعب. فالآرامية تشمل الكلدان والسريان والآشوريين والمندائيين»().


يقول ياسين الناشئ في بحثه الصابئة المندائيون: «اللغة المندائية هي اللغة التي وردت بها المخطوطات الصابئية، فكل الكتب الدينية ما تحتويه من تعاليم وصلوات وتراتيل مكتوبة بهذه اللغة, وأول من قرأ الأبجدية المندائية هو آدم× وبقية المختارين الأصفياء، ومنهم يحيى بن زكريا× ، وهي مقدمة عند جميع الصابئة. واللغة المندائية هي لهجة من الآرامية التي تنتسب إلى المجموعة السامية كالبابلية والآشورية والكلدانية».


أمّا غضبان الرومي فيقول: «... اللهجة المندائية هي أقرب اللهجات إلى السريانية, ولو أنها حُرفت وبدّلت حروفها إلى (سطرنجيلية)»().


 


أنبياؤهم وكتابهم المقدّس


يدين الصابئة المندائيون بنبوة كل من آدم وشيث ونوح وسام وإدريس وإبراهيم ويحيى بن زكريا عليهم السلام.


 جاء في كتاب الصابئة المندائيون: «إنّ الدين الصابئي دين قديم، يعتقد معتنقوه أنه من أقدم الأديان أن لم يكن أقدمها, فهم ينسبون كتابهم (كنزه ربه) إلى آدم× , كما يعتقدون أنّ (سام) هو جدهم الأعلى، ونبيهم بعد آدم ونوح, وهم ليسوا فرقةً من النصارى كما ورد ذلك لدى كثير من الكُتّاب وبخاصة الإفرنج منهم، وقد جاء هذا الوهم من تعظيم الصابئين للنبي يحيى× واعتباره نبياً لهم أنقذهم من ضلال اليهودية، وقام بالمعمودية، كما أنهم يُعظّمون يوم الأحد كما يفعل النصارى»(). 


وأمّا كتابهم المقدس الموسوم (الكنزا ربا أو الكنزه ربه)، أي الكنز الرباني أو صحف آدم، وهو الكتاب الذي شرح ووضع عبادة الصابئة وفلسفة عقيدتهم.


قال رشيد الخيون في كتابه: «يضاف الى ذلك أنّ الزبور، يعني: الكتاب, وكتاب الصابئة زبور (الكنزا ربا) لا الزبور الذي غلب اسمه على مزامير داود»() .


وجاء في تفسير الأمثل: «...كتبهم ـ الصابئة ـ المقدسة: كنزا ربا ويسمى أيضاً سدره أو صحف آدم، وفيه آراء حول كيفية بدء الخلق؛ وكتاب أدر أفشا دهي أو سدرا دهي، ويتحدث عن يحيى وتعاليمه ويعتقد الصابئة أنه موحى إلى يحيى عن طريق جبرائيل؛ وكتاب قلستا، وفيه تعاليم الزواج والزوجية، وهذا إلى جانب كتب كثيرة أُخرى يطول ذكرها»().


ولقد كُتب كتاب الكنزا ربا باللغة المندائية وهي فرع من اللغة الآرامية، كما ذكرنا قُبيل هذا.


 


عقائدهم وطقوسهم الدينية


أولاً: التوحيد


يعتقدون أنّ هناك خالقاً واحداً للكون ألا وهو الله الواحد الأحد، حيث جاء في افتتاحية الكتاب المقدس كنزا ربا، الصفحة الأُولى: «باسم الحي العظيم, أُسبّحك ربي بقلب طاهر أيها الحيّ العظيم المتميز عن عوالم النور الغني العلي فوق كل شيء نسألك الشفاء والظفر وهداية الجنان وهداية السمع واللسان.. ونسألك الرحمة والغفران آمين يا ربنا ... يا ربّ العالمين».


وفي موضع آخر منه ورد المقطع الآتي: «باسم الحيّ العظيم أشرق نور الحيّ, وتجلى منداهيي بأنواره, فأضاء جميع الأكوان. حطّم أُلوهية الكواكب, وأزال أسيادها من مواقعهم»().


وعندما نقرأ هذه العبارة في كتابهم المقدس نستغرب كيف أنّ بعض الباحثين والمفسرين يتّهمون الصابئة المندائيين بعبادة الكواكب؟ وفي كتابهم توجد هذه العبارة وأمثالها التي تشهد بشكل جلي على أنهم موحدون. نعم، إنهم يقدّسون الكواكب ويعتبرونها من أعظم آيات الله، وهذا ما يمكن أن يجتمع مع الاعتقاد بالتوحيد لله.


الدليل الآخر المهم على أنهم موحدون، هو ما جاء في كنزا ربا:


«باسم الحيّ العظيم.


مسبح ربي بقلب نقي.


هو الحيّ العظيم, البصير القدير العليم, العزيز الحكيم. هو الأزلي القديم, الغريب عن أكوان النور, الغني عن أكوان النور، هو القول والسمع والبصر, الشفاء والظفر, والقوة والثبات، هو الحيّ العظيم مسرة القلب, وغفران الخطايا.


مسبح ربي بقلب نقي.


يا ربّ الأكوان جميعاً .. مُستج أنت, مبارك, ممجد, معظم, موقر, قيوم، العظيم السامي. ملك النور السامي الحنان التواب الرؤوف الرحيم. الحيّ العظيم لا حد لبهائه. ولا مدى لضيائه. المنتشرة قوته. العظيمة قدرته... .


هو الملك منذ الأزل. ثابت عرشه. عظيم ملكوته. لا أب له ولا ولد. ولا يشاركه ملكه أحد، مبارك هو في كل زمان, ومسبح هو في كل زمان. موجود منذ القدم. باق إلى الأبد. قال للملائكة كوني فكانت. بقوله ملائكة النور كانت. ومن ضيائه النقي انبثق ملائكة التسبيح الذين لا حدّ لهم. ولا عدّ, ولا بطلان. من نوره العظيم انبثقوا ممتلئين بالتسبيح. متقن ضياؤه. بهيّ نوره. متقن وبهيّ مقامهم فيه. نور لا بطلان فيه , وخشوع لا عصيان فيه, وبر لا شقاق فيه, وإيمان لا خداع فيه, وصدق لا كذب فيه هو الخير الذي لا شرّ فيه, وهم مقيمون, للحيّ مسبحون.


ملائكة الضياء تسبحُ لملك النور بالضياء الذي وهبه إياهم»().


ثانياً : التعميد 


وهي علامة اعتناق الفرد للدين الصابئي. ويعتبر الركن الأساس، إذ هو فرض واجب على كل صابئي مندائي، ويهدف الى فتح باب الخلاص والتوبة وغسل الذنوب والخطايا والتقرب إلى الله.


يُمارس العماد المندائي بثلاثة أنواع:


1 ـ مُصْبُتَّه:


وهو تعميد عام, يتم هذا الطقس في الماء الجاري (اليردنا)، ويكون يوم الأحد على رأس الأيام المقدسة؛ لأنّ الله بدأ الخلق فيه, والتعميد بدأ في عوالم النور العليا، حيث تعمّدت الملائكة، وأٌنزل إلى الأرض عن طريق الملاك جبريل الرسول (هيبل زيوا)، حيث تعمّد آدم وحواء ثم أصبح سنة لآدم وذريته من بعده.


إنّ من مستلزمات التعميد في الديانة الصابئية جملة أُمور :


أ ـ الماء الجاري، ماء الحياة (مياهيا)، وإكليل الريحان والآس وهما يرمزان إلى الحياة وطيبها.


ب ـ الملابس الدينية الخاصة (رستا) وهي ملابس قطنية او من الكتان الأبيض، ويرمز اللون الأبيض، إلى الطهارة والنور، يرتديها رجل الدين والشخص المتعمّد بعد أن ينزع كل قطعة من ملابسه الاعتيادية.


ج ـ أشياء تمثل حاجات الإنسان البدائية، وهي طبق من الطين (طريانا) وكوب ماء، وإناء لوضع البخور، وراية بيضاء حول خشبة مصنوعة على هيئة علامة (+) وترمز الى راية السلام (شيشلام) والمعروفة في أوساط كثيرة بـ(الدرفش).


تبدأ خطوات التعميد بالنزول الى الماء والغطس فيه والارتماس مع ذكر اسم الله تعالى، وشرب شيء منه. بعد ذلك يتناول المعمَّد نعمة الخبز ومعها شيء من الماء، ثم يختتم رجل الدين التعميد بأن يضع يده اليمنى على رأس المتعمّد، ويقوم بعدها بالمصافحة لأداء يمين الحق. ويعطى للمتعمّد الاسم الديني (الملواشة) التي ترافقه حتى نهاية الحياة .. وبعد مجموعة من التراتيل الدينية الخاصة، منها مثلاً: أتيت إلى الماء بإرادة الله وإرادتي, والماء الذي يهيئ القوة.


نزلت الى الماء واصطبغت وتقبلت الرسم الزكي، وارتديت ملابس النور، وأحكمت إكليل الورد الغض برأسي، وذكرت اسم الله العظيم عليَّ.


وقد ورد في الكتاب المقدّس المقطع التالي: 


«إلبسوا الأبيض، واكتسوا الأبيض.. ألبسة الضياء وأردية النور. واعتموا بعمائم بيض كالأكاليل الزاهية. وانتطقوا بأحزمة الماء الحيّ التي ينتطق بها الأثريون. وانتعلوا. واحملوا بأيديكم صولجانات مثل صولجانات الماء الحيّ التي يحملها الأثريون في بلد النور»().


2 ـ طماشة:


هو تعميد خاص، له شبهٌ بالغسل الشرعي عند المسلمين, يجب بعد لمس الميت والجنابة والحيض وبعد الولادة().


3 ـ رشامة:


يمارس في اليوم ثلاثة مرات، وهو بمثابة الوضوء عند المسلمين. ولا تحتاج هذه إلى مساعدة الكاهن, فكل إنسان كاهن نفسه. 


ونلاحظ وجود علاقة خاصة بين الصابئة والأنهر, ولذا يقطن هؤلاء ضفاف الأنهر، وهي علاقة متفرعة على وجوب التعميد في الأنهر الجارية.


ذكر السيد الوالد (رحمه الله) في كتابه قبس من تفسير القرآن خاطرة جديرة بالذكر: «... وإني لأذكر أنّ شيخهم عندما كان عند سيدنا الوالد ـ الإمام الخوئي ـ حفظه الله، عطش واحتاج إلى الماء، فلم يشرب من الأنابيب رغم جريان الماء وغزارته, بل أمر سائقه فذهب إلى نهر الفرات ـ في الكوفة ـ وأتى له بالماء الجاري»().


وربما تنازل المندائيون عن التعميد في الأنهر الجارية إلى الأحواض في المندي() لضرورات أملتها عليهم ظروف الهجرة والتغرب عن الأوطان, خصوصاً بعد هجرتهم إلى الغرب وبُعدهم عن الأنهر الجارية, وربما تقية وخوفاً من بطش الحكومات.


ذكر خيون في كتابه: «العماد ... ومن مستلزماته الماء الجاري, الذي عوض عنه فيما بعد بأحواض الماء التي تقام عادة داخل المندي»().


إلاّ أنه بمرور الزمن وبسبب قلة رجال الدين، وغيرها من الأسباب، ضعفت ممارسة شعيرة التعميد عند المندائيين.


يقول غضبان الرومي في كتابه: «أمّا التعميد فقد ضعفت مظاهره, مع العلم أنه العمود الفقري في العقيدة, وكثير من الشباب لم يتعمد إلاّ في زواجه، والمفروض في الدين الصابئي أن يتعمد الطفل بعدّ الأربعين يوماً من ميلاده، وكثير من الأفراد لا يعرفون أسماءهم الدينية (ملواشة)، وذلك من جراء عدم ذهابهم للتعميد. ولما كان التعميد واجباً على كل صابئي ليكون صابئياً. فعليه، إنّ إهمال هذا الطقس يعد إهمالاً لكل المعتقدات الأُخرى؛ لأنه الأساس في اعتناق الدين الصابئي»().


ومن الملفت للانتباه أنّ العدد أربعين له مكانة مقدسة عند جملة من الأديان، ومنها المندائية. وهو أمر جدير بالبحث والتحقيق، فما هو السر في الرقم أربعين؟!


ثالثاً: المعاد


ولا تختلف الديانة المندائية عن غيرها من الديانات السماوية في الاعتقاد بالمعاد, وضرورة انتقال الروح في يوم من الأيام إلى عالم تحاسب فيه على ما فعلته من خير أو شرٍّ ألا وهي دار الآخرة, وهي المحطة الأخيرة لعالم الروح بعد انفصالها عن الجسد.


وإليك بعض الشواهد من كتاب كنزا ربا: «إصعدي أيتها النفس .. إلى دارك الأُولى, دار الأثريين.. دار أهلك الطيبين»(). وفي نصّ آخر من نفس الكتاب: «إذهبي أيتها النفس إلى البلد الذي منه أخذوك .. إذهبي إلى الدار التي فيها أبوك, وفيها أهلك وذووك. لقد كسرت القيود, وعبرت الحدود, ونزعت ثوب الجسد»(). وفي نصّ آخر كذلك: «أيتها النفس الذاهبة إلى ربها .. طريقك طويل, لا مؤشر ولا دليل. محطات أجناس, مبثوثٌ فيها الحراس .. والمحاسبون قائمون عليها. فبماذا تزودت للطريق؟ وبماذا ستدفعين عنك الضيق؟»().


رابعاً: العدل 


الجدير بالإشارة أنّ اعتقاد المندائيين بالعدل الإلهي من الأُمور الواضحة , فقد ورد في كتاب مذكرات مندائي: «... أن يقبل الفرد بالعدل الإلهي، وأن يسكت على ما يناله من خير وشرٍّ ويصبر عليهما»().


 وهذا الاعتقاد مطابق مع الآية الكريمة {قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلاَّ ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا...}()، فهو عين التسليم لله والرضا، وهو الإيمان بعدله، أي إعطاء كلّ ذي حقّ حقه.


خامساً: الصلاة


ذُكر بالتفصيل كيفية بناء المندي، والصلاة فيه، وجهة القبلة في كتاب الصابئة المندائيون، حيث جاء في تحديد جهة الصلاة: «... النجم القطبي الذي يجب أن يتجه إليه الشخص حين يقوم بأداء الصلاة...»(). 


ويتحدث الأُستاذ رشيد الخيون عن الصلاة، فيقول: «صلاة المندائي عبارة عن قراءة وتبريكات مع الانحناء كلما وردت كلمة السجود في النص المقروء كقولهم: (قوموا أيها المسلمون المؤمنون اسجدوا وسبحوا لله العظيم). وإضافة إلى الصلاة الجماعية التي تقام في المندي، هناك صلاة شخصية يصليها المندائي في مناسبات دينية. والقبلة عند الصلاة جهة الشمال، وذلك للاعتقاد بأنها الجهة المباركة»(). 


وتعليقاً على كلمة المسلمين الواردة في الكتاب المقدس عند الصابئة كما وردت في النصّ أعلاه, نقول: إنّ هذه الكلمة تعزّز الرؤية المتبنّاة من قبل مجموعة من الباحثين أنّ للإسلام معنيين: معنى عام، المقصود منه اتّباع ملة النبي إبراهيم× ، والتي تضم جملة من الأديان السماوية التي تؤمن بنبوته ×  , مستندين بذلك إلى قوله تعالى: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا}().


ومعنى خاص، يُقصد به أتباع النبيّ محمد ’ .


وكثيراً ما يردّد المندائيون عبارة «باسم الحيّ العظيم»، فهي بمثابة بسم الله الرحمن الرحيم عند المسلمين.


 أوقات الصلاة: يصلي الصابئة المندائيون في اليوم ثلاث مرات. جاء في الكتاب المقدس: «يا أصفيائي.. مع انفلاق الفجر تنهضون. وإلى الصلاة تتوجهون. وثانيةً في الظهر تصلّون. ثم صلاة الغروب. فبالصلاة تتطهر القلوب. وبها تُغفر الذنوب»().


الليدي دراوور في كتابها الصابئة المندائيون ذكرت أيضاً أنّ هناك صلاةً للظهر عند المندائيين, أي عدد صلواتهم ثلاثة, وتنقل لنا نصوصاً دينية بهذا الخصوص(). 


لكنّ غضبان الرومي يقول في مذكراته غير ذلك، وهذا نصه: «... فقد كان والدي يرحمه الله يستيقظ كل يوم مبكراً ويذهب إلى النهر لإجراء طقوس الوضوء (الرشامة)، ثم يأتي إلى الدار ويبدأ بالصلاة (البراخة)، كذلك الحال في المساء، أمّا ظهراً فلم أُشاهده أو أُشاهد غيره حتى من رؤساء الدين يؤدون الصلاة، بل كانوا يكتفون بالصلاة صباحاً ومساءً عند الشروق وقبل أُفول الشمس وغيابها؛ لأن الصلاة يجب أن تتم في هذا الموعد»(). 


سادساً: الصوم 


يذكر رشيد الخيون في كتابه: «والصوم عند المندائية ستة وثلاثون يوماً متفرقةً على مدار السنة تختم عادةً بالأعياد. ومن تعاليمه: (أمسكوا أفواهكم عن قول الكذب ... لأن الذي يحلّ في قلبه البغض ليس مسلماً) والامتناع عن أكل اللحوم فقط، ويحرم في أيامه ذبح الحيوان»(). 


إذن، المقصود من الصوم عندهم ليس المنع عن الشرب والأكل في ساعات محددة, بل الصوم عن أكل اللحم , والأشياء السيئة البذيئة بشكل عام .


وإليك هذا النصّ الذي ورد في الكتاب المقدس: 


«يا أحبائي. أيها المؤمنون بي. صوموا الصوم الكبير, صوم القلب والعقل والضمير. لتصم عيونكم, وأفواهكم, وأيديكم .. لا تغمز لا تلمز. لا تنظروا إلى الشر, ولا تفعلوه. والباطل لا تسمعوه ولا تنصتوا خلف الأبواب. ونزّهوا أفواهكم عن الكذب. والزيف لا تقربوه. أمسكوا قلوبكم عن الضغينة والحسد والتفرقة. أمسكوا أيديكم عن القتل والسرقة. أمسكوا أجسادكم عن معاشرة أزواج غيركم, فتلك هي النار المحرقة. أمسكوا رُكبكم عن السجود للشيطان ولأصنام الزيف. أمسكوا أرجلكم عن السير إلى ما ليس لكم. إنه الصوم الكبير فلا تكسروه, حتى تفارقوا هذه الدنيا...»().


 


الممارسات الدينية المندائية


أولاً: الأعياد 


 في مذكرات مندائي يقول غضبان الرومي: «للصابئة عيدان: العيد الكبير، والعيد الصغير. والأول يقع في شهر آب, وفي هذا العيد الذي يُطلق عليه عيد الكرصة كان معظم أفراد الصابئة يعودون من أسفارهم خاصة الصاغة منهم. في عيد الكرصة تبقى كل عائلة ستاً وثلاثين ساعة في بيتها لا تخرج إلى غيرها ... ونذبح قبل العيد بيوم خروفاً لعمل اللوفاني (غذاء ديني خاص يعمل للموتى)، ونخزن الماء في قدور وطشوت ونودع الحيوانات لدى الجيران من المسلمين؛ لأنّ لمسها يعدّ حراماً, وقبل العصر يذهب معظمنا للغطس بمياه النهر أما للطهارة أو للنظافة ... إنّ العيد الكبير هو عيد رأس السنة عند الصابئة ... يخرج الفرد الصابئي من كرصته في اليوم التالي ويعايد أباه وأُمّه قبل غيرهم، ويقبّل أياديهما... .


أمّا النسوة المصابات بنكبة بوفاة أحد أقاربهن فيذهبن مبكرات إلى المقبرة باكيات نادبات موتاهنّ ليعدن بعد الصباح إلى الدور... يخرج أبناء الصابئة مهنئين مباركين بعضهم البعض، ويجتمعون عادةً في دار الرئيس الروحاني (بيت شيخ سام)، فيقرأ لهم الكاهن المختص طالع السنة وما قد يحدث فيها من كتاب (أسفر ملواشة).


تستمر أيام العيد ثلاثة أو أربعة أو حتى عشرة مصحوبة بخروج الناس مجتمعين مع الرئيس الروحاني.


العيد الصغير، بعد نحو أربعة أشهر من العيد الكبير، يأتي العيد الصغير، ويستغرق يوماً واحداً. هذا العيد يعدّ رمزاً للخير والسلام.


وفي نيسان تأتي أيام عيد البنجة أو عيد الخليقة ومدته خمسة أيام، وتعدّ الأيام الخمسة من أطهر أيام السنة, يجري فيها التعميد لكل فرد صابئي تقريباً وتنحر فيه الخراف لإجراء اللوفاني أي طعام الغفران للموتى, والمتوفى في هذه الأيام يذهب إلى الجنة من دون حساب. والأيام هذه طاهرة مع لياليها»(). 


والـ(بنج) باللغة الفارسية تعني الرقم خمسة، فقد يراد بها هنا نفس هذا المعنى.


ثانياً: الزواج


يذكر رشيد خيون في كتابه الأديان والمذاهب بالعراق: «ورد في كنزا ربا (وأمرنا أن اتخذوا لأنفسكم أزواجاً تعمر بكم الدنيا). الجنة حرام على من يعزف عن الزواج, ولا يولّون عاقراً منصباً دينياً. وأن يتم الزواج وبإصرار من ابنة العم, ذلك من تقديس رابطة الدم. وعند الزواج يجري التأكد على العُذرة، فعقد زواج الثيب لا يتطلب العماد وأداء قسم الإخلاص من قبل الزوجين أمام رجل الدين»(). 


 ويشهد كتابهم المقدس بذلك، حيث النصّ فيه فيقول:


«أيها الأصفياء الذين اصطفيتهم، أقيموا أعراساً لأبنائكم. وأقيموا أعراساً لبناتكم. وآمنوا بربكم .. إنّ العالم إلى زوال. ولا تكونوا كالذين يكرهون الحياة فيعزفون عن الإنجاب فيها. أثمروا إن أردتم أن تصعدوا حيث النور»(). 


ثالثاً: تقديس الكواكب 


يعتقد الصابئة المندائيون أنّ للكواكب أنواراً بإعتبارها فيضٌ من نور وجود الله الأقدس, فهم يلتزمون بتعظيمها حسب ما أمرهم به كتابهم المقدّس. ونرى كثرة لفظ الكواكب والنجوم واحترامها في كتابهم، حيث جاء فيه:


«وأمّا النجوم التي تسطع فيها, فإنها مضيئةٌ بأمر ربها. إثنا عشر ملاكاً مُسلطون في السديم .. بين الظلام والجحيم, يضيئون ليلها البهيم, بقدرة الحيّ العظيم»().


رابعاً: ذبح الحيوان


يُعتبر ذبح الحيوان في الليل عندهم من الخطايا, لذلك نجدهم يعمدون ويصلون صلاة الاستغفار بعد الذبح, وحيث تُنسب الخطيئة إلى الذابح دون الآكل, علماً أنها لاتسري لحرمة أكل اللحم .


 يذكر الرومي في مذكراته فيقول: «من المعلوم أنّ الصابئي لا يذبح أيّ طير أو حيوان في الليل؛ لأنّ الليل وجد للنوم والراحة, وقد يعدّ الظلام رمزاً للشر, وعليه فالذبح والتعميد أو أيّ عمل ديني يعدّ باطلاً ليلاً عدا أيام البنجة. والأيام الخمسة متساوية في القدسية، وتعدّ بمثابة شهر، أي أنها تكمل أيام السنة التي عددها 360 يوماً، فتجعل منها 365 يوماً، وتحسب اليومين الأولين ونصف اليوم الثالث على الشهر السابق، واليومين والنصف تحسب على الشهر اللاحق، وذلك فيما يخص استخراج الملاويش أو الأسماء الدينية وقت التعميد»(). 


خامساً: حرمة حلق اللحية


إنّ ممارسة إطلاق اللحى لدى أتباع الأديان السماوية، بل وحتى غير السماوية، تعدّ من الظواهر الدينية اللصيقة بالمتدين، وبالخصوص رجال الدين. ولم يخرج المندائيون عن هذه القاعدة، لذلك تجد عندهم التشدد في تحريم حلق اللحية وشعر الرأس . 


سادساً: حرمة تناول الأسماك المحرّمة


يُحرم عند الصائبة تناول الأسماك التي لا صدف عليها، ولا زعانف لها، كالسمك الجرّي, مثلهم في ذلك مثل الديانة اليهودية، والمسلمين الشيعة. 


صابئة العراق .. مناطق سكناهم وتعداد نفوسهم


يذكر غضبان الرومي حول تاريخ الصابئة المندائية ومناطق تواجدهم في كتابه، فيقول: «والتاريخ المندائي يذكر أنّ الصابئة لاقوا أذىً كثيراً من اليهود قبل المسيح بفترات طويلة، وهاجر قسم منهم إلى ميديا التي كانت تضم آنذاك منابع نهر ديالى من الأراضي والسهول والبطاح خاصة منطقة مندلي, والطيب في ميسان ويسميها الصابئة (طيب مانة). وقد تكون ميسان (تشمل محافظة العمارة) مشتقة من المندائية، وتتكون من كلمتين (مي سيانة)، أي الأرض الطينية...


لقي المندائيون، بعد النبيّ يحيى بن زكريا، من اليهود الكثير من التعذيب والاضطهاد ما يعجز عنه الوصف, فتركوا الأُردن والتحقوا بإخوان لهم في ميديا وفي الجهة الغربية من أرض فارس، ثم تركوها وسكنوا أرض السواد، وتشمل جنوب العراق وعربستان الحالية»().


أما حالياً فهم يسكنون ضفاف دجلة والفرات جنوب العراق, ونهر الكارون غرب إيران؛ ليسهل عليهم ممارسة طقوسهم الدينية كالتعميد, وتوفر الأسماك النهرية وهو غذاؤهم المفضّل.


ومن أهم مناطقهم الاجتماعية قلعة صالح، ففي سنة 1910 كانت محلة الصابئة من أكبر المحلات، إذ تمتد على نهر دجلة نحو كيلو متراً، ثم أُضيف إليها في سنة 1920 محلة اللطلاطة, وكان عدد عوائلهم آنذاك في هاتين المنطقتين فقط قد تجاوز 500 عائلة.


وانتحلوا حرفاً أصبحت بمرور الزمن حكراً لهم، واشتهروا بها وبصناعتها الممتازة. مثل صناعة القوارب, وآلات الحصاد, والحدادة، فكانت أكثر آلات المزارعين من صناعة الصابئة, والنقش على الفضة, وصناعة الأقفال, وصياغة الذهب التي ما زالوا يشتهرون بها في العراق وإيران. 


الإحصاءات الرسمية حسب ما يذكرها الأُستاذ رشيد خيون في كتاب الأديان والمذاهب بالعراق، هي على النحو الآتي: «عددهم بالعراق عام 1927 (10000) نسمة. وذكرهم الدليل العراقي الرسمي العام 1936 بحوالي (أربعين ألف نسمة). بينما ذكرهم عبد الرزاق الحسني (العراق قديماً وحديثاً) اعتماداً على إحصاء عام 1947 بحوالي (6368) نسمة. وبلغوا العام 1957 حسب الإحصاء الرسمي (11825) نسمة. وبلغوا العام 1965 حسب الإحصاء الرسمي أيضاً (14572) نسمة. وعدّ نعيم بدوي الناشئ قومه بحوالي (15000) نسمة. وعدّتهم ناجية مراني في (مفاهيم صابئية مندائية) بـ(18000).


وقيل: إنّ عددهم حالياً بلغ (مئة ألف) نسمة، خمسون ألفاً منهم داخل العراق، والخمسون الآخرون بإيران وبقية دول العالم.


وقد ورد عددهم في تقرير مديرية الأمن العامة (داخل العراق فقط) في إحصاءات: (1947، 1957، 1965، 1977) على التوالي: (6597 ـ 11425 ـ 14262 ـ 15937). وأكثر نسبة لهم ببغداد ثم البصرة ثم العمارة ثم الناصرية»().


 


الخلاصة


1 ـ الصابئة المندائيون هم من أتباع النبيّ آدم ويحيى بن زكريا× وهم من أهل الكتاب.


2 ـ كتابهم المقدس (كنزا ربا), كُتب أساساً باللغة المندائية، وقد تُرجم في بغداد عام 1997 إلى اللغة العربية بإشراف الشيخ ستار جبار حلو رئيس طائفة الصابئة المندائية .


3 ـ موحّدون مؤمنون بربّ واحد عادل وبالنبوة وبالمعاد.


4 ـ التعميد, الصلاة, الصوم, من أهم طقوسهم الدينية.


5 ـ لغتهم هي المندائية، التي هي لهجة من السريانية.


6 ـ كانت ديانة باطنية، وهي ديانة غير تبشيرية. 


7 ـ تعدادهم اليوم يبلغ (مئة ألف) تقريباً في العالم.


8 ـ يمتهنون مهناً عديدة أهما صياغة الذهب والفضة. 


9 ـ يقطنون جنوب العراق وجنوب غرب إيران قرب الأنهر عادة, وفي بعض الدول الأُوروبية بعد الهجرة القسرية.


 


الفصل الثاني: اليهــود


 


 


 


 


 


 


 


الفصل الثاني


 


اليهــود


 


 


 


 


توطئة


 


عُرفت الديانة اليهودية كواحدة من أقدم الديانات التي نشأت في العراق. اتّبعوا النبيّ موسى بن عمران عليه السلام. ورد ذكرهم في القرآن الكريم كديانة سماوية في آيات كثيرة، منها على سبيل المثال لا الحصر , قوله تعالى في محكم كتابه: {وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ}()، وقوله تعالى في موضع آخر: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَاب}() .


غلب على اليهود طابع التمرد والخشونة والقساوة في تعاملهم مع أنبيائهم، لذا جاءت الآيات متضافرة ذماً لهم ووعيداً .


أما يهود العراق محل الحديث هنا، فإنهم كشريحة اجتماعية عانت على مرِّ وجودهم غصصاً وآلاماً كباقي الشرائح الاجتماعية الأُخرى , فلقد تسلطت عليهم الحكومات الجائرة، وعانوا التشريد والتهجير. حدث ذلك؛ لأنهم يهود مرة؛ ولأنهم عراقيون مرة أُخرى . إلاّ أنّ يهود العراق مارسوا دور القويّ المتسلط عندما سنحت لهم الفرصة , فيما مارس أتباع الديانات الأُخرى نفس الدور ضدهم, وفقاً لسنة تاريخية لا تقبل التغيير, فمنطق القوة هو الحاكم دائماً.


لقد تناول المؤرخون والكتّاب والباحثون العرب الحركة اليهودية العالمية بالكثير من الريبة والحذر, فكان الدور الرئيس فيها هو الموروث الديني, فيما ازدادت حدّة العداء ضد الحركة اليهودية بعد ظهور الزعيم اليهودي الكبير تيودور هرتزل الذي يعود له الفضل في إنشاء الدولة الإسرائيلية الحديثة نتيجةً لمؤتمر بال سنة 1897م , واستمرت الجهود حتى جاء وعد بلفور وزير خارجية بريطانيا سنة 1917م .


ولعلّ السبب الآخر لهذه الريبة يعود إلى التأثر بالسياسة الإسرائيلية الحالية اتّجاه الفلسطينيين. ومن هذه العوامل وغيرها نجد بعض الكتّاب يبتعدون عن الحقيقة الموضوعية في فهم أتباع هذه الديانة. 


 


اليهود لغة


يعود جذر الكلمة إلى (هـ و د). قال الجوهري: هَادَ يَهُودُ هَوْداً: تاب ورجع إلى الحقّ، فهو هَائِد. وقوم هُودٌ، مثل حائل وحول.


ونُقل عن أبي عبيدة قوله: التَّهَوُّد: التوبة والعمل الصالح. ويقال أيضاً: هَادَ وتَهَوَّدَ إذا صار يَهُوديّاً.


والهُودَ: اليَهُود().


وأمّا ابن منظور، فهو أيضاً قال بأنّ الهَوْد: التوبة. وفي التنزيل العزيز: {إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ}() ، أي تبنا إليك.


وأورد عن ابن الأعرابي قوله: هَادَ إذا رجع من خير إلى شرٍّ أو من شرٍّ إلى خير. وهَادَ إذا عَقِلَ.


ثم أردف ذلك بقوله: جمع اليَهُوديّ: يَهُود. وسمّيت اليهود اشتقاقاً من هادوا، أي تابُوا.


والتهويد: أن يصير الإنسان يهودياً. وهَادَ وتَهَوَّدَ إذا صار يهوديّاً() .


وجاء في المعجم الوسيط أنّ هَوَّدَ تعني: مشى رويداً. وتعني: صات صوتاً ضعيفاً، أي رجَّع به في لين. وتعني: سكن. وتعني: نام. وهَوَّدَه: طرَّبه وألهاه.


وهَوَّد فلاناً: حوّله إلى ملّة اليهود() .


 


اليهود اصطلاحاً


قد يُطلق على هذه الأُمّة تارةً: اليهود، وأُخرى: العبريون وثالثة: الإسرائيليون, وأخيراً يقال لهم: الموسوية. والمقصود بهذه التسميات هو شيء واحد، فمرةً باعتبار الدين، وأُخرى باعتبار نبيهم، وثالثة لقوميتهم. 


يذكر رشيد خيون في كتاب الأديان والمذاهب بالعراق حول تسمية اليهود عن قاموس الكتاب المقدس ما يلي: <أنها أُطلقت أولاً على سبط أو مملكة يهوذا, تمييزاً لهم عن الأسباط العشرة, الذين سموا إسرائيل, إلى أن تشتت الأسباط , وأُخذ يهوذا إلى السبي , ثم توسع معناها فصارت تشمل جميع من رجعوا من الأسر من جنس العبراني , ثم صارت تُطلق على جميع اليهود المشتتين في العالم, ولفظة يهود أعم من عبرانيين؛ لأنها تشمل العبرانيين الأصليين والدخلاء... .


إنّ يهود اسم عبري معناه: المدح. وإنّ إسرائيل معناه: يجاهد مع الله>() .


وقد يطلق اسم يهوه على الله تعالى.


معنى العبري


يذكر الدكتور إبراهيم العاتي في كتابه الأديان والمذاهب: <العبري هو المنحدر من ذرية إبراهيم× , لكنهم اختلفوا في وجه التسمية على أقوال:


1 ـ إنّ إبراهيم سُمّي عبرياً؛ لأنه عبر النهر, ويحتمل أن يكون المقصود هو نهر الفرات, كما يحتمل أن يكون نهر الأُردن.


2 ـ من المحتمل انتساب إبراهيم إلى أحد أجداده الأقدمين المعروف باسم (عبر).


3 ـ لكن الدكتور ولفنسون يرى أنّ التسمية جاءت من كلمة (عبر) بمعنى قطع مرحلة من الطريق أو شق الطريق, أو عبور الوادي من جانب إلى آخر, وكل هذه الاستعمالات تدل على التحول والتنقل الذي هو من خصائص سكان الصحراء وأهل البادية>() .


 


تاريخ اليهود 


إنّ الهجرة وكثرة التنقل والترحال أصبحت من لوازم حركة بني إسرائيل. وعليه، نجد من الضروري الوقوف على أهم الهجرات التاريخية لهم الاختيارية والقسرية. 


 


الهجرة الأُولى


من شبه الجزيرة العربية إلى فلسطين, يقول الدكتور أحمد شلبي في كتابه مقارنة الأديان: ().


يكاد يتفق جملة من الباحثين على أنّ أصل اليهود, أي أتباع إبراهيم× كانوا من الجزيرة العربية, ولأسباب عديدة هاجروا إلى الشمال، وهذه تُعدّ أول هجرة جماعية لهم من النوع الاختياري. 


علماً أنّ التوراة ذكرت هذه الهجرة بالتفصيل، حيث ورد النصّ التالي: <وقال الربّ لأبرام: إنطلق من أرضك وعشيرتك وبيت أبيك, إلى الأرض التي أُريك. وأنا أجعلك أُمّةً كبيرةً وأباركُك وأُعظّم اسمك, وتكون بركةً. وأُبارك مباركيك ... فانطلق أبرام كما قال له الربّ ومضى معه لوط، وكان إبرام ابن خمس وسبعين سنة حين خرج من حاران. فأخذ أبرام ساراي امرأته ولوطاً ابن أخيه وجميع أموالهما...>() .


وأمّا النبيّ إبراهيم فهو أبو الأنبياء، ومن الرسل أُولي العزم. دعا الناس إلى الحنيفية وعبادة الواحد الأحد، وترك عبادة الأصنام. كل الأديان السماوية تكنّ له احتراماً خاصاً, ولد× في بلاد ما بين النهرين في عاصمة الكلدانيين بالعراق , وحيث إنه لم يستطع أن ينشر الحق في بلاده، فقد أُجبر على الهجرة مع زوجته سارة ولوط وبعض أصحابه, متوجهاً نحو الشمال سيراً إلى أرض كنعان. ولهذا السبب ذكرنا سالفاً أحد الآراء القائلة أنّ أهل كنعان سموا إبراهيم ورفاقه بالعبريين؛ لعبورهم النهر أو الأودية. وفي تاريخ هذه الرحلة يذكر بعض الباحثين أنها تمت حوالي سنة 2000 قبل ميلاد المسيح× . 


يذكر صاحب كتاب الأديان والمذاهب نزول إبراهيم أرض الكنعانيين، فيقول: <وحط إبراهيم رحاله في تلك البقاع ـ أرض كنعان ـ ونَعِمَ بما فيها من رخاء وخير...ولم يختلط جماعته بالفلسطينيين، بل عاشوا في عزلة, قد يكون سببها رفضهم عبادة الأصنام, وقد أصبح الانعزال طابعاً مميزاً للعبرانيين واليهود فيما بعد>() . 


 


الهجرة الثانية


 الهجرة الثانية للنبيّ إبراهيم والعبريين من فلسطين إلى مصر. يذكر التاريخ أنّ أرض كنعان أصابها جدبٌ وقحط, فساروا متجهين نحو الجنوب إلى كنانة، أي مصر , حيث كانت معروفة بالزراعة والرعي والخيرات الكثيرة. وفي مصر كانت حياة إبراهيم المادية جيدة جدا,ً إلاّ أنه ضُيّق عليه الخناق فيما بعد, من قِبَل فرعون؛ لأنه كان ينظر إلى إبراهيم أنه متعاون مع ملك الهكسوس الذي كان من المهاجرين إلى مصر أيضاً، ومن جهة أُخرى طمع ملك الهكسوس بزوجة إبراهيم سارة، لكن إبراهيم عندما قرر الرجوع إلى فلسطين لم يهاجر معه جميع العبريين، بل بقي عدد كبير منهم في مصر، ولقد أُهديت جارية إلى سارة في مصر اسمُها هاجر, تزوجها إبراهيم فيما بعد ذلك بإصرار من زوجته سارة.


وقصة زواج هاجر من إبراهيم مذكورة بالتفصيل في التوراة، وإليك هذا النصّ منها: <وأمّا سارايُ امرأة أبرام, فلم تلد له. وكانت لها خادمةٌ مصريةٌ اسمها هاجر. فقالت سارايُ لأبرام : هو ذا قد حبسني الربّ عن الولادة, فادخل على خادمتي, لعل بيتي يُبنى منها. فسمع أبرام لقول ساراي. فبعد عشر سنين من إقامة أبرام في أرض كنعان, أخذت سارايُ امرأته هاجر المصرية خادمتها فأعطتها لأبرام زوجها لتكون له زوجةٌ. فدخل على هاجر فحملت>().


وفي مقطع آخر من نفس الإصحاح يذكر: <وولدت هاجر لأبرام ابناً , فسمى أبرام ابنه الذي ولدته هاجر إسماعيل . وكان أبرامُ ابن ستّ وثمانين سنة حين ولدت هاجرُ إسماعيل لأبرام>(). 


يقول إبراهيم العاتي في كتابه: ().


وإليك في هذا الصدد مقتطفات من التوراة، حيث يدل النصّان التاليان على ما ذكرناه: <أنا الربّ الذي أخرجك من أُور الكلدانيين لأُعطيك هذه الأرض ميراثاً لك>، وفي مقطع آخر: <لنسلك أُعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير, نهر الفرات>(). 


والخرائط الإسرائيلية تشير إلى دولة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات. وهذه هي أُمنية دولة إسرائيل الحديثة. والروايات الإسرائيلية تعتقد أنّ عهد الله لإبراهيم ولنسله منحصر بإسحاق وولده. 


وبعد مولد إسماعيل من هاجر بأربعة عشر سنة أنجبت سارة لإبراهيم ولداً هو إسحاق، وهو الابن الثاني لإبراهيم، وكلاهما ولدا في فلسطين, ثم توفي إبراهيم عن عمر ناهز المئة وخمس وسبعين سنة تاركاً إسماعيل في الحجاز وإسحاق بأرض كنعان. ويُعتقد أنّ إبراهيم× مدفون في فلسطين.


وقد وردت قصته مع سارة في التوراة: <وقال الله لإبراهيم : سارايُ امرأتُك لا تُسمّها ساراي , بل سمها سارة. وأنا أُباركها وأرزُقُك منها ابناً. وأُباركها فتصير أُمماً ... فسقط إبراهيم على وجهه وضحك. وقال في قلبه: ألابن مئة سنة يولد ولد؟ وهل تلد سارة, وهي ابنة تسعين سنة؟ ... غير أنّ عهدي أُقيمه مع إسحاق الذي تلدُه لك سارةُ...>(). 


ولقد تصدّى القرآن الكريم لعرض هذه القصة في سورة هود، حيث يقول: {وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ * قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ}(). 


من جهة أُخرى، بعد رحيل إبراهيم بدأت المضايقات على اليهود في مصر, وبما أنّ العبريين كانوا قد أخذوا على أنفسهم طابع الانعزال, فكانت حياتهم غير منسجمة مع حياة الشعب المصري كأنهما شعبان بثقافتين ودينين يعيشان في أرض واحدة، أي كما يقال: دولة في وسط دولة. وفي مثل هذا الحال، يصعب على الغريب أن ينسجم مع الشعب الأصلي، ألا وهم المصريون.


أصبح الوضع الاقتصادي للعبريين ممتازاً جداً، فأضحوا وكأنهم أسياد البلد, مع أنهم كانوا في بداية هجرتهم إلى مصر لاجئين يطلبون الرزق والقوة. أمّا في زمن النبيّ يوسف، خصوصاً, فقد اختلف الحال, إذ صار بإمكانهم تقرير مصير البلد اقتصادياً. 


علماً أن ما ألمعنا إليه من الأحداث مذكور بتفاصيله في سفر التكوين من التوراة, وقد آثرنا المرور عليها سريعاً مراعاةً للاختصار.


وخلاصة القول: إنّ إبراهيم× له ولدان: إسماعيل من هاجر؛ وإسحاق من سارة, ونبينا الأكرم محمد’ من نسل إسماعيل, أمّا النبيّ يعقوب الذي يسمى بإسرائيل، فهو ابن إسحاق. وأنّ أنبياء الله، يوسف وموسى وسليمان ويحيى ويونس وأيوب وغيرهم من آبائهم وأبنائهم كلهم من نسل إسحاق. وجميعهم من القومية السامية نسبة إلى سام بن نوح× 


الهجرة الثالثة


للنبيّ إسحاق ولدان: أحدهما يعقوب، وله اثنا عشر ولداً من أربعة أزواج, منهم: لاوي الذي من أسباطه موسى بن عمران, ويهوذا الذي من اسمه أُخذت كلمة اليهود, ويوسف الذي ألقاه إخوته في البئر حسداً منهم له؛ لأنّ أباه كان يحبه أكثر منهم, وبعد قصة طويلة وظلم جرى، أصبح يوسف رئيس الخزانة في مصر عند الفرعون.


إنّ في هذه المرحلة الحرجة، وعند تخوف فرعون وأصحابه من انعزال وقوة العبريين, ولد موسى×  . وكان الكهنة قد أبلغوا فرعون أنه سيولد ولد يُخلّص هذا الشعب ويهدّد ملكه, فقرر فرعون التخلّص من كل ولد يولد في هذه الفترة. القرآن الكريم ينقل لنا هذه القصة باختصار رائع، وتعبير مجمل واف بليغ فيقول: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ * فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا}().


ففي زمن النبيّ موسى بن عمران× الذي هو من أسباط لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، وكان من المقربين لفرعون، ومن أصحاب النفوذ في القصر، حدث في يوم من الأيام أن حصلت مشاجرة بين أحد العبريين ومصري، فتدخل موسى لصالح العبري بعد معرفته أنّ العبري صاحب الحق، وفي أثناء المشاجرة قتل موسى المصري خطأً. ولهذا، لم يتمكن موسى من البقاء في مصر، فطلب من أتباعه العبرانيين أن يهاجروا ويرحلوا من مصر, خوفاً على حياتهم من ردة فعل المصريين، خصوصاً وأنهم ـ العبرانيون ـ غير مرحب بهم أساساً.


كان ذلك الحدث في القرن (13ق.م)، حيث أرسل الله موسى بن عمران نبياً لبني إسرائيل لينقذهم من مظالم فرعون، فجاز معهم برية سيناء مدة أربعين سنة، وتلقى من الله الوصايا العشر، فسلّمهم إياها، وسنّ لهم الشرائع، فكانت دستورهم الديني والمدني، ولقّب بكليم الله .. كل هذا وغيره مما جرى على موسى× وبني إسرائيل ذُكر في القرءان الكريم.


بدأ موسى رسالته في سن الأربعين في أثناء التيه ـ وهي الهجرة الثالثة ـ في صحراء سيناء. وهذه المرحلة تعتبر نقطة انطلاق بني إسرائيل. في هذه الفترة ـ فترة التيه ـ توفي هارون، ثم كانت وفاة موسى عن عمر يناهز المئة والعشرين سنة() ، وقبل الخروج من التيه إلى أرض الميعاد فلسطين.


ويذكر لنا الباحثون أنّ اليهود كثروا في مصر إلى حدّ كبير، يقول أحمد شلبي: <تكاثر بنو إسرائيل بمصر تكاثراً واسعاً وسريعاً جداً , فلقد أحصاهم موسى عند خروجهم من مصر، كما تقول التوراة، فوجد حملة السلاح منهم، أي الذكور ابتداء من سن العشرين, يبلغون 603500>()، أي أنّ مجمل تعداد نفوسهم كان ما يقارب المليونين نسمة. 


وكما ذكرنا فإنّ موسى من أسباط لاوي بن يعقوب, والسبط هنا قد يعني ابن البنت، وربما لأجل ذلك اشتُرط عند اليهود الانتساب إلى الدين اليهودي بواسطة الأُمّ . 


 


الهجرة الرابعة


سبي صدقيا (586 ق.م) إلى بابل، وتدمير اُورشليم ومعبد سليمان الأول، كان علامة لنهاية مملكة يهوذا. فكان أربعون ألف يهودي تقريباً تم سبيهم إلى بابل مع ملكهم صدقيا في ذلك الوقت، إثر حملة جرّدها عليهم نبوخذ نصر لقمع حركتهم. وفي السبي نقلوا معهم إرثهم الثقافي إلى عاصمة الكلدان, ففي هذه المرحلة من الزمن كان لليهود شعب وثقافة وفكر, وعندما رأوا الظلم والاضطهاد والقهر تكرر عليهم, قرروا أن يخططوا لمستقبلهم, ويبدؤوا بتأسيس مقولتهم المشهورة شعب الله المختار, وتحول الزعيم البابلي الروحي لليهود المسمى (إيرا) إلى الإله اليهودي (يهوه) واعداً شعبه بالقوة والسيادة والملك , وأخذ بنو إسرائيل هذه الوعود كأنها وعودٌ حقيقةٌ من الله اختصّهم بها.


 وربما يُعدّ هذا هو السبي الخامس، أو قل استمراراً للسبي السابق, إذ ينقل لنا الباحث علي السعدي في بحثه يهود العراق من الازدهار إلى الاندثار النصّ الثاني: <بعد سقوط الدولة الآشورية على يد الكلدانيين الذين استولوا على كل أراضي آشور, يبدو أنّ مملكة إسرائيل أُعيد تأسيسها أكثر من مرة، وكانت الوقائع الغريبة نفسها تتكرر بتتابع مثير للاستفهام , فقد جرد الملك الكلداني نبوخذ نصر عام (597 ق.م) حملة عسكرية ضخمة ضد تمرد ملك إسرائيل (يهويا قيم)، الذي توفي أثناء الحصار فخلفه ابنه (يهويا كين)، وبعد وقوعه في الأسر عُيِّن (صدقيا) خلفاً له, وما كادت الأُمور تستقيم لـ(صدقيا) حتى أُعلن التمرد بدعم وتحريض من (حوفرا) ملك مصر, الذي هبّ لنجدته حينما عسكرت جيوش البابليين في (ربله) القريبة من حمص السورية , لكنّ نبوخذ نصر ردّ جيش (حوفرا) على أعقابه، ودمّر مملكة (صدقيا)، حيث ساق إلى الأسر ما يقرب من (5000) من سكانها>، وهناك روايات تقول: 10000 شخص.


 


كتبهم وأنبياؤهم


التوراة


كتاب اليهود المقدس المنزل من الله هو (التوراة)، الذي يصطلح عليه بالعهد القديم مقابل العهد الجديد وهو الإنجيل، الذي يُعدّ كتاب المسيح المقدس. والكتاب الآخر الذي ينقل سنن النبيّ موسى بن عمران وغيره من الأنبياء هو (التلمود), الذي يحتل مكانة مهمة في التراث اليهودي.


يذكر الدكتور عماد عبد السميع حسين في كتابه معنى التوراة فيقول: <التوراة لفظة عبرانية معناها الشريعة أو الناموس , ويسميها اليهود ناموس موسى×>().


والتوراة لم تؤلّف دفعة واحدة، بل جاءت نتيجة عمل أدبي استمرّ عدة أجيال.


أقسام العهد القديم (التوراة)


ينقسم العهد القديم إلى:


أولاً ـ كتب الشريعة: وهي خمسة أسفار:


1 ـ التكوين


 هو أول أسفار العهد القديم، يتناول كيفية نشأة وتكوين العالم، وكيف بدأ عمل الله في البشرية. وفي جوهره يحتوي على روايات تتعلق بأجداد شعب إسرائيل وآبائه . 


وينقسم سفر التكوين إلى قسمين : الأول يبحث في موضوع الإنسان الأول الذي خلقه الله. والثاني يروي سيرة الأنبياء من إبراهيم وإسحاق ويعقوب ويوسف. 


 2 ـ الخروج


ينقل لنا بالتفصيل خروج بني إسرائيل من مصر, وهو الحدث الذي خُلق له إسرائيل أي يعقوب× ، وبه أُنيطت حياته كلها، وإليه يستند عدد كبير من المعتقدات، وبه أيضاً تتعلق كبار الآمال الوطنية اليهودية.


يُعدّ خروج إسرائيل من مصر ومكوثهم في الصحراء من أهم الفترات التاريخية لبني إسرائيل، حيث بدأ عندهم التخطيط لإقامة الدولة، واكتمال العقيدة، والوضوح في الرؤية . 


3 ـ الأحبار أو اللاويون


هذا السفر يبين لنا دور الأحبار في تشريع العبادة, وهو 27 فصلاً يبين فرائض وأحكام الديانة اليهودية من الذبح والطهارة والنجاسة والحلال والحرام والواجب .. الخ.


4 ـ العدد


إحصاء عدد الأسباط, ويُذكر فيه مغادرة إسرائيل أرض سيناء لاجتياز الصحراء, فيجول فيها مدة أربعين سنة في البراري المحيطة بفلسطين من الجنوب, ويصل أخيراً إلى ضفة الأُردن . ويطغى على هذا السفر طابع السرد الروائي لتلك الحقبة. 


5 ـ تثنية الاشتراع


هي تكرار للشريعة, ويضم الخطاب الذي ألقاه موسى على اليهود في سيناء قبل موته, وهو بالأحرى عبارة عن تعليم يرافقه وعظ وتذكير وتحذير.


ثانياً ـ كتب التاريخ: وهي ستة عشر سفراً.


ثالثاً ـ كتب الحكمة: وهي سبعة كتب.


رابعاً ـ كتب الأنبياء: وهي ثمانية عشر كتاباً.


 


التلمود


هو المصدر التشريعي الثاني لليهود، ويُعتقد أنها روايات موسى× الشفهية لأصحابه، وهي بمثابة السنة النبوية عند المسلمين, يذكر فيها الأحكام والقوانين الإلزامية الشفاهية, وفيه الفلسفة والمنطق والتاريخ والقصص, وأحياناً تفوق أهميتها التوراة, وهو بمثابة العمود الفقري للديانة اليهودية, لما فيه من أحكام للقومية اليهودية، وهذه الأحكام جاءت بعد قرون طويلة وجهود كثيرة ذكرها علماء اليهود المقيمين في فلسطين وبابل في بداية القرون الوسطى, والنسخة البابلية للتلمود أهم من الفلسطينية.


والتلمود على قسمين: 


الأول: ميشنا Mishnah : وهو كتاب يحتوي على هلاخا، أي الشريعة.


والثاني: كمارا Gemara: وهو شرح وتفسير للميشنا، ويسمى التلمود, وهو مكتوب باللغة العبرية.


اللغة العبرية


 نكتفي هنا بإيراد ما ذكره الدكتور أحمد شلبي في كتابه عن اليهودية حول جذور اللغة العبرية، حيث يقول: () .


ومن الجدير بالذكر أنه يُنسب إلى الحركة اليهودية العالمية دستورٌ باسم بروتوكولات حكماء صهيون، التي يقال: إنه قد صاغها هرتزل مع مجموعة كبيرة من القياديين السياسيين اليهود, حيث يُعتقد أنّ فيها جملة من القواعد التي تمهد لليهود سيطرتهم على العالم بأُسلوب براغماتي على طريقة الغاية تبرر الوسيلة, حيث برر لهم ارتكاب كل الوسائل للوصول إلى تقوية كيانهم, حتى بسفكهم الدم ونشر الفساد والبغاء, وتأسيس مذاهب وأديان وأحزاب, والتفرقة بين أتباع الأديان، بل بين عموم بني البشر. كذلك قرروا أن ينشئوا مؤسسات اقتصادية وإعلامية عالمية تؤثر على الرأي العام العالمي، ولها نفوذ وسيطرة على مصادر القرار في العالم.


إلاّ أنه لم يتسنّ توثيق هذه البروتوكولات، والجزم بصحة نسبتها إلى الحركة اليهودية العالمية، خصوصاً أنّ بعضهم ينفي وجودها جملةً وتفصيلاً.


 


أهم عقائدهم وطقوسهم


1 ـ التوحيد


يؤمن اليهود بعقيدة التوحيد، وبوجود إله واحد لا شريك له, هو خالق السماوات والأرض، وباعث الأنبياء والرسل.


2 ـ النبوة


يؤمنون بسلسلة من الأنبياء بدءاً من إبراهيم ونسله وانتهاءً بموسى بن عمران, الذي حمل لهم التوراة من الله عزّ وجلّ إليهم، حيث تنتسب الديانة اليهودية له× .


3 ـ المعاد


اليهودية لا تختلف عن باقي الأديان السماوية في الإيمان بالمعاد, وأنّ الدنيا دار امتحان، وأنّ للمؤمن دنياه الأبدية وهي الآخرة وفيها الثواب والعقاب. 


ويستطيع الباحث تصور هذه العقائد من خلال قراءته للعهد القديم, حيث يجدها مبثوثة في ثناياه, بشكل واضح وصريح في بعض الأحيان.


4 ـ تقديس يوم السبت


إنّ لهذا اليوم قدسية خاصة عند اليهود، مستندين بذلك إلى تعاليم التوراة التي أكدت على مكانة هذا اليوم, قائلين بأنّ الله خلق السماوات والأرض في ستة أيام , مختاراً اليوم السابع للاستراحة, ولذلك يمتنع أتباع الديانة اليهودية عن ممارسة أيّ عمل دنيوي في هذا اليوم، مشتغلين فيه بالعبادة وممارسة طقوسهم الدينية. والملفت للانتباه أنّ كلمة سبت بالعبرانية هي شباث، وتعني: الراحة, ولم يكن لليهود خطيئة أعظم من عدم حفظ يوم السبت إلاّ عبادة الأوثان .


5 ـ زيارة بيت المقدس


وهو من أعظم الشعائر عندهم , فهو يشابه الحج عند المسلمين, يذكر أحمد شلبي في كتابه بهذا الصدد، فيقول: ().


6 ـ عيد الفصح


وهو من أهم الأعياد وأكبرها, حيث يُعتقد أنه اليوم الذي خرج فيه بنو إسرائيل من مصر مع موسى إلى أرض كنعان، وخلاصهم من عبودية فرعون.


7 ـ يوم التفكير


وهو يوم الصوم عند اليهود، حيث لا يأكلون ولا يشربون ويمضون الوقت في العبادة وذكر الله, ويعيش الفرد المتدين عيشة الملائكة, متطهراً من الخطايا والذنوب. ومن المعروف أنّ هذا اليوم يسبقه تسعة أيام تسمى أيام التوبة. تقع هذه الأيام في الشهر السابع من شهور السنة اليهودية.


8 ـ الهيكل المقدس


يسمى في عصرنا الحرم الشريف، فيه قبة الصخرة والمسجد الأقصى, البناء الذي شيده اليهود في فلسطين ليعبدوا الربّ تعالى, بناه سليمان الحكيم بن داود, خربه البابليون عام (581 ق.م), وأعاد اليهود بناءه بعدما رجعوا من بابل (516 ق.م), وتكررت عملية الهدم والبناء عدة مرات ربما كان آخرها 63م . هذا حسب إدعاء اليهود, أما المشهور بين المسلميين هو عدم وجود أي علاقة بين الهكيل المقدس والمسجد الاقصى وقبة الصخرة بهيكل سليمان. ومنذ  أحتلال القدس على يد الصهاينة عام 1967م وهم يحاولون الحفر تحت وحول المسجد الأقصى ولم يحصلوا على أي أثر, وحتى حائط المبكى هو حائط البراق وهو أثر أسلامي. 


 


ولا يفوتنا في ختام هذه الفقرة التذكير بتوافر التوراة والتلمود وبالخصوص سفر الأحبار (لاوين) على الكثير والعديد من الفصول التشريعية, الخاصة بجميع أبواب العبادات والمعاملات, كالزواج والطلاق والإرث، وتحريم بعض اللحوم وحلّيتها، والرق، والزكاة، والختان وطريقة الذبح، وتعدد الزوجات وأحكام الحيض والنفاس والجنابة, والبيع والشراء، والزراعة, والقصاص والديات وغيرها.


ويمكن لنا هنا أن نسجل ملاحظة نراها ذات أهمية في سياق البحث عن العهد القديم والتلمود , حيث يجد المتابع إسهاباً وتكراراً في جزئيات التشريعات وفروعها على العكس من أُصول الديانة وعقائدها, فلا نجد فيهما إلاّ النزر اليسير من الإشارات البعيدة التي تعجز عن إيصال حقيقة المقصود, والفكر العقائدي لدى الديانة اليهودية. علماً أنّ الديانة اليهودية ليست تبشيرية، بل منحصرة في نسل إسرائيل على حسب فهم حاخاماتهم . 


الوصايا العشر


شعوراً منّا بأهمية الوصايا العشر التي ذُكرت في التوراة مرتين، الأُولى في سفر الخروج، الإصحاح 20, والثانية في سفر تثنية الاشتراع, الإصحاح 5, ولما لبعضها من جامعية تمثل جوهر الأديان السماوية، والخطوط الأخلاقية العامة للإنسان. فيما نجد بعض هذه الوصايا مؤكداً عليها في باقي الكتب الإلهية بأساليب أُخرى، مع المحافظة على أصل روح هذه التعاليم. وهي كالتالي، كما في سفر الخروج:


<لا يكن لك آلهة أُخرى تجاهي .


لا تصنع لك منحوتاً ولا صورة شيء مما في السماء من فوق, ولا مما في الأرض من أسفل، ولا مما في المياه من تحت الأرض.


 لا تسجد لها ولا تعبدها, لأني أنا الربّ إلهك إلهٌ غيور, أُعاقب إثم الآباء في البنين إلى الجيل الثالث والرابع, من مبغضي, وأصنع رحمةً إلى اُلوف من محبي وحافظي وصاياي.


 لا تلفظ اسم الرب إلهك باطلاً؛ لأنّ الربّ لا يبرئ الذي يلفظ اسمه باطلاً.


 أُذكر يوم السبت لتقدّسه. في ستة أيام تعمل وتصنع أعمالك كلها. واليوم السابع سبت للربّ إلهك فلا تصنع فيه عملاً أنت وابنك وابنتك وخادمك وخادمتك وبهيمتك ونزيلك الذي في داخل أبوابك؛ لأن الربّ في ستة أيام خلق السماوات والأرض والبحر وكل ما فيها وفي اليوم السابع استراح, ولذلك بارك الربّ يوم السبت وقدّسه. 


أكرم أُباك وأُمك, لكي تطول أيامك في الأرض التي يعطيك الرب إلهك إياها.


لا تقتل . لا تزن. لا تسرق. لا تشهد على قريبك شهادة زور. 


لا تشته بيت قريبك, ولا تشته امرأة قريبك ولا خادمه ولا خادمته ولا ثوره ولا حماره ولا شيئاً مما لقريبك...>().


الفرق اليهودية


إنقسم اليهود في مرحلة التيه إلى فرق ومذاهب شتى، قال الشهرستاني في الملل والنحل() : فاختلفوا على إحدى وسبعين فرقة، ذكر منها أربع, وهي أشهرها وأظهرها عندهم. والأربع التي ذكرها تختلف عما ذكره بعض الباحثين المعاصرين مثل الدكتور إبراهيم العاتي، والدكتور أحمد شلبي، الذي ذكر خمس فرق أُخر، فيكون المجموع تسع فرق، وهي كالتالي :


1 ـ العنانية


نُسبوا إلى رجل يقال له عنان بن داود, رأس الجالوت. يخالفون سائر اليهود في السبت والأعياد, وينهون عن أكل الطير والظباء والسمك والجراد، ويذبحون الحيوان من القفا، ويصدّقون عيسى× في مواعظه وإشاراته، ويقولون: إنه لم يخالف التوراة البتة.


2 ـ العيسوية


نُسبوا إلى أبي عيسى, إسحاق بن يعقوب الأصفهاني, فاتّبعه بشر كثير من اليهود، وادّعوا له آيات ومعجزات. زعم أبو عيسى أنه نبي، وأنه رسول المسيح المنتظر. حرّم في كتابه الذبائح كلها، ونهى عن أكل كلّ ذي روح .


3 ـ المقاربة واليوذعانية


 نُسبوا إلى يوذعان، من همدان. وقيل: كان اسمه يهوذا, كان يحثّ على الزهد، وتكثير الصلاة، وينهى عن اللحوم والأنبذة.


4 ـ السامرة


هؤلاء قوم يسكنون جبال بيت المقدس, وافترقت السامرة إلى: دوستانية، الذين يقولون بالثواب والعقاب في الدنيا؛ وكوستانية، وهم يقرون بالآخرة والثواب والعقاب فيها. وقبلة السامرة جبل يقال له: (غريزيم) بين بيت المقدس ونابلس.


5 ـ الفريسيون


وهم يعتقدون أنّ التوراة بأسفارها الخمسة خُلقت منذ الأزل, ويعتقدون بالبعث وقيامة الأموات والملائكة والعالم الآخر, وأكثرهم يعيشون في مظهر الزهد والتصوف, لا يتزوجون، ويرون أنّ التوراة ليست هي كل الكتب المقدسة التي يعتمد عليها . وأعلن الفريسيون أنّ للحاخامات سلطة عليا، وأنهم معصومون، وأنّ أقوالهم صادرة من الله ومخالفتهم مخالفةٌ لله.


6 ـ الصدوقيون


نسبة إلى صادوق، الكاهن الأعظم في عهد سليمان، وهم من طبقة أرستقراطية, ينكرون البعث والحياة الأُخرى، ويرون أنّ جزاء الإنسان يتم في الدنيا , وينكرون التعاليم الشفوية (التلمود)، وحتى التوراة لا يرونها مقدّسة، ولا يقولون بالقضاء والقدر, ويرون أنّ الأفعال مخلوقة للإنسان لا لله.


7 ـ القراؤون


وهم القلة بين اليهود , يعترفون بالعهد القديم كتاباً مقدّساً، وليست عندهم روايات شفهية، وبالتالي لا يعترف القراؤون بالتلمود, ويقولون بالاجتهاد. وتأسس هذا المذهب أيام العهد العباسي، فهم متأخرون جداً، وهم يسكنون في فلسطين ويقدر عددهم بـ (10000) شخص. مؤسس الفرقة عنان بن داود، وهو معاصر لأبي جعفر المنصور, وهم يعترفون بنبوة النبيّ محمد ’  ، لكنهم يخصصونها بالعرب.


8 ـ الكتبة


تطلق هذه التسمية على مجموعة من اليهود كانت مهنتهم كتابة الشريعة, فهم أشبه شيء بالنسّاخ. كانوا يسمون أحياناً بالحكماء وأحياناً بالسادة، كما كان ينادى الواحد منهم بلقب أب, واتخذوا الوعظ وظيفة أُخرى بجوار كتابة الشريعة, وأنّ كل واحد منهم عني بإنشاء مدرسة أصبح هو راعياً لها ومعلماً بها.


9 ـ المتعصبون


إمتازوا بعدم التسامح، بل بالعدوانية ضد المواطنين الذين اتُّهموا باللادينية أو بقبول الخضوع لغير اليهود, وكان من سياسة هذا الفريق أن لا ينتظر أتباعه العون من إلههم , وكانوا بذلك يكوّنون الجناح اليساري في فريق الفريسيين, بيد أنهم كانوا في غاية الحماسة اتجاه شغفهم بالحرية, ولم يعترفوا بأيّ سلطان سوى الله, وكان الموت عندهم أسهل من طاعة غير اليهودي. 


 


شذرات من تاريخ يهود العراق


علاقة اليهود بالعراق علاقة قديمة وليست طارئة، بل متجذرة ومتأصلة، تربطهم بأرض العراق روابط عديدة دينية وتاريخية واجتماعية، ولم تكن العلاقة بينهم وبين العراق أقل من علاقتهم بفلسطين إن لم تكن أكثر, فلهم مزارات أنبياء ورسل وتراث في هذا البلد . يُذكر اسم نهر الفرات مرات عديدة في كتبهم المقدّسة؛ لأنه كما قلنا كانوا مع النبي إبراهيم× ، وهاجروا معه إلى فلسطين.


يقول الباحث علي السعدي: <أمّا التواجد الأول لليهود في أرض الرافدين, فيُزعم أنهم كانوا من أتباع النبيّ إبراهيم× الذين هاجروا معه من أرض، (أُور) ويُذكر أنّ عددهم كان بحدود (4000) آلاف نسمة من الرجال والنساء, إلاّ أنّ الكثير من المؤرخين لا يميلون إلى الأخذ بهذه المقولة رغم معقولية احتمالها, إذ إنّها تخلو من سند تاريخي يمكن الاستدلال به كبيان إثبات لهذه المزاعم, أمّا الثابت المتفق عليه، والذي يميل المؤرخون لاعتماده، فهو أنّ اليهود دخلوا العراق لأول مرة سنة 626ق.م أيام الملك الآشوري (تجلات بلاشر الثالث) حين جرّد حملة عسكرية كبرى غزا فيها مملكة إسرائيل؛ لمحاولتها التعاون مع المصريين الذين يشكلون المنافس الوحيد لآشور...>.


كل هذه التواريخ تقريبية وقابلة للبحث والنقاش بين الأخصائيين من علماء الاجتماع الإنساني الإنثروبولوجيا , لكنّ الشيء المتفق عليه هو أنّ عمر الإسرائيليين ووجودهم في العراق يزيد على الألفين وخمسمئة سنة, وإذا أخذنا بنظر الاعتبار وجودهم من زمن إبراهيم× ، فيصير وجودهم أكثر من أربعة آلاف سنة. وعليه، فهم من أقدم الأديان في العراق، حيث يعتبرون جزءاً مهماً من النسيج الاجتماعي العراقي، وليسوا غرباء عن هذه الأرض كما يصوره البعض، بل هم من أصحاب هذا البلد كما يذكر التاريخ.


يقول رشيد خيون .


الوثائق التاريخية التي أرّخت لتواجد يهود العراق تشهد بأن الحكومات الإسلامية المتعاقبة على العراق تعاملت مع أتباع هذه الديانة تعامل المدّ والجزر، والشدّة واللين, فمرةً تعطيهم مطلق الحرية وأُخرى تسلبها منهم, ابتداءً بخلفاء النبيّ ’ الثلاثة, شهد اليهود نوعاً من التهميش والإقصاء, لكنّ الأمر اختلف في حكومة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب× في الكوفة، حيث كانت حاضرة من حواضر اليهود في ذلك الحين, فقد اشتُهر أنّ للإمام× صرّافاً يهودياً كانت له مكانة كبيرة في اقتصاد دولة الإمام إلى درجة قد ترقى لمستوى وزير مالية الدولة الإسلامية، أو قل مستشاره المالي الأول. بيد أنّ هذه القضية على شهرتها لم نجد من المؤرخين من تطرق إليها، ويشهد الباحث رشيد خيون لذلك في كتابه، إذ يقول:


الإمام عليّ بن أبي طالب...>().


ينقل لنا علي السعدي في بحثه شذرات من تاريخ اليهود في العهد العباسي فيقول:


 <عند قيام الدولة العباسية وانتقال مركز الدولة إلى العراق, ازدهرت الأوضاع على مختلف الصعد الثقافية، والعلمية، والتجارية، وغيرها, وبمثل هذا الازدهار ووصول الحضارة العربية والإسلامية إلى ذروة مجدها وتجلياتها, إنتعشت أوضاع اليهود بشكل خاص، وازدهرت أعمالهم التجارية بانفتاح أسواق جديدة وفّرها امتداد الدولة الإسلامية إلى مناطق شاسعة في مشارق الأرض ومغربها.


وبعد تأسيس بغداد عام 149 للهجرة وتحولها عاصمة الدنيا كما وصفت يومها, إزدادت أهمية يهود العراق ومكانتهم الدينية، حيث عُقدت لهم الرئاسة على بقية اليهود في العالم, ممثلة برأس الجالوت في بغداد.


وفي أيام الفتنة بين الأمين والمأمون التي امتدت حتى عام 813م وفيها كانت بغداد تئنّ تحت وطأة الفتنة وما تركته من تدمير ونهب وحرق لأسواقها ودورها التي عاثت بها الجيوش المتحاربة واللصوص فساداً, ومن جملة ما نُهب وأُحرق بالطبع محلات اليهود ومتاجرهم ودورهم , لكنّ أحوالهم عادت إلى الاستقرار والطمأنينة، وبرز منهم الكثير من العلماء والأحبار، مثل: الطبيب فرات بن شحقاتا، وحسواي بن إسحاق أيام المأمون، وسعديا الفيومي، وهارون بن يوسف أيام المعتضد الذي أُسست في عهده أكاديمية (سورا) التلمودية.


واستمر حالهم على هذه الصورة حتى خلافة المتوكل عام 849م , الذي أمر بعد سنتين من توليه الخلافة بوضع علامة خاصة على دور أهل الذمة، ومنهم اليهود. وألزمهم أن يرتدوا ملابس تميزهم عن المسلمين، وتسوية قبورهم في الأرض، كما عطل منصب رأس الجالوت.


وقد نهج الخليفة القادر بالله على منواله وأضاف أمراً بإغلاق المدارس اليهودية , ولم يتغير حال يهود العراق إلاّ في عهد الخليفة المسترشد بالله الذي حكم بين عامي 1118 ـ 1135م، ثم عادت أُمورهم إلى سابق عهدها بعد استيلاء مسعود بن ملكشاه على مقاليد السلطة في بغداد عام 1132م.


وفي خلافة المستنجد بالله 1116 ـ 1117م وصل عدد اليهود في بغداد وحدها إلى حوالي (4000) نسمة، ولديهم (28) كنيساً في جانبي الكرخ والرصافة>.


ولعل مقولة: التاريخ يعيد نفسه، تتجلى صحتها في حادثتين تاريخيتين: الأُولى في عام 235 هجري كان بطلها جعفر المتوكل؛ والثانية في عام 1991م وكان بطلها صدام حسين, حيث سخّر الأول مجموعة من الطائفة اليهودية لهدم قبر الإمام الحسين× , فيما استفاد الثاني ـ حسب التهمة التي أُشيعت عنهم من قبل أزلام النظام الصدامي نفسه ـ من بعض المغرر بهم من يزيدية العراق لممارسة نفس العمل.


فما أشبه الليلة بالبارحة, فإنّ الأنظمة الديكتاتورية, اعتادت على استخدام الأقليات الدينية كمعاول لهدم ولضرب الآخرين. ومما يعين تلك الحكومات على المضيّ في غيها فتاوى علماء العنف والتعصب، الذين يستبيحون دماء البشر وحرماتهم وضرب مقدساتهم. 


ينقل لنا الباحث رشيد خيون بصدد الحادثة الأُولى، فيقول:


الأول: تحقيق هدم الضريح الذي تعجز يد مسلمة على هدمه، في وقت تصاعد فيه المدّ الشيعي وتكررت ثوراته العلوية, مع أنّ اليد المسلمة قد ضربت الكعبة بالمنجنيق, مثلما فعل يزيد بن معاوية والحجاج بن يوسف الثقفي.


والثاني: زرع روح البغض في المجتمع...>(). 


وهذه الفترة أيام خلافة جعفر المتوكل كانت من أسوأ الفترات على أهل الذمة عموماً, واليهود بشكل خاص.


 علماً أننا نعتقد أنّ هؤلاء الخلفاء كل ما كان يهمهم حياتهم ومصالحهم الشخصية، وكانوا بعيدين كل البعد عن روح الإسلام, ففي كثير من الحالات والفترات كان المسلم لا يسلم من ظلمهم وجورهم. الفساد الأخلاقي والاقتصادي كان الطابع العام للخلافة الأُموية والعباسية والعثمانية, وهم بالواقع لم ولن يمثلوا الإسلام، فهذه حقيقة يجب أن تُعرف. حتى لا نحمّل الإسلام تصرفات شخصية متهورة من بعض مدّعي الإسلام . 


وتردّى الوضع ثانية في بغداد عندما احتل هولاكو العراق عام 1258م، ودمّر المكتبات والمدارس والمعاهد، وسفك الدماء، حتى صار لون ماء دجلة أحمراً من الدماء، والفرات أزرقاً من لون حبر الكتب, وتعدّ هذه المرحلة من أصعب المراحل التي مرَّت بها بغداد، والعراق عموماً، ولا يمكن نسيانها؛ لأنها تركت آثارها السلبية على العلم والثقافة والاقتصاد إلى يومنا هذا.


ويبدو أنّ قدر العراق والعراقيين أن ينتهي من محتل آثم جائر إلى آخر أسوأ منه, ففي عام 1534م احتل العراق الأتراك العثمانيون بلباس الدين، مدّعين إعادة الخلافة الراشدة للأُمّة الإسلامية بقيادة السلطان سليمان القانوني, وبعد مضي سنوات احتُلّ العراق من قِبَل الصفويين، وأعاده السلطان مراد الرابع في عام 1637م، ففي هذه الفترة تحسنت الأوضاع في بغداد نسبياً، واليهود وصلوا إلى أوج ازدهارهم. 


وفي فترة حكم العثمانيين في العراق يصف الباحث رشيد خيون حال اليهود، فيقول: <وصف حال اليهود في العهد العثماني أنه (كان هنيئاً)، وشجعت هذه الحال دعوة يهود أُوربا للهجرة إلى البلاد العثمانية...>().


وفي وقت متأخر قرر الحاكم العثماني رفع الجزية عن أهل الذمة، ومنهم اليهود عام 1855م.


استعمرت بريطانيا العراق، ودخل الجنرال (مود) بغداد في عام 1917م, وبذلك تخلّص العراق من الأتراك المحتلين، ووقع بين مخالب استعمار البريطانيين, وبدأ العراق عهداً جديداً نتيجة لاتفاقيات أُبرمت بين البريطانيين والفرنسيين لتقسيم المنطقة، وهي اتفاقية سايكس ـ بيكو 1916م, ويقال: إنّ في عام 1919م اتفق بلفور مع الملك فيصل في الحجاز على توليه حكم العراق مقابل دولة إسرائيل واعتراف العرب وحكامها بها.


طبعاً، الملك فيصل تولى العراق فيما بعد برغبة وطلب من سياسيين وشخصيات عراقية في عام 1921م، وكان قد اتّفق فيما سبق على ما شُرط عليه.


وكان من المخطط له أن تضايق الحكومة العراقية شيئاً فشيئاً، بطلب من بريطانيا، على يهود العراق حتى يرحلوا إلى دولتهم القومية الجديدة, وهذا التخطيط جاء ضمن برنامج طال أكثر من أربعين عاماً, وكان عدد اليهود في العراق آنذاك أكثر من ثمانين ألف نسمة تقريباً, ومن الجدير بالذكر أنّ إحدى معوقات إنشاء دولة إسرائيل كانت هي كيفية إقناع يهود العالم بأهمية دولة إسرائيل، وأهمية استيطانها. حيث من البديهي عدم إمكان إقامة دولة بدون شعب. وأصحاب فكرة دولة إسرائيل كانوا يعلمون جيداً أنّ يهود الولايات المتحدة الأمريكية وأُوربا والاتحاد السوفيتي من المحال أن يجازفوا وينتقلوا إلى دولة حديثة الإنشاء لا يُعرف مصيرها. خصوصاً وأنه بعد الحرب العالمية الأُولى والثانية كانت هجرة اليهود إلى أُوربا وأمريكا تزداد بشكل مطّرد, وبدؤوا حياتهم من جديد، واستقروا هناك، واعتبروا تلك البلدان أوطاناً لهم .


إذن، من جهة لا يمكن أن يترك اليهودي حياته المستقرة في أُوربا إلى دولة جديدة، ويهدم كل ما بناه, ومن جهة أُخرى ـ كما أسلفنا ـ لا يمكن إقامة دولة بلا شعب. فالضحية هنا يهود العرب، والعراق خصوصاً, فبوجودهم تقوّت ونشأت دولة إسرائيل. وفي بداية تأسيس الدولة الإسرائيلية انخرط العرب في أجهزة الأمن والجيش ودوائر البلد, وما أن استقر الوضع نوعاً ما بدأت الهجرات الإجبارية والقسرية من إفريقيا وروسيا وآسيا وغيرها من البلدان إلى إسرائيل. هذه الحقائق يذكرها كثير من الباحثين اليهود بمرارة. 


إنّ عملية إجبار اليهود على الهجرة وخروجهم من العراق جاءت بأساليب متعددة، منها: اتّهامهم بالخيانة العظمى، والتجسس لصالح دولة إسرائيل, وتحريك الصحافة لبث روح البغض والعداء بين أبناء الشعب العراقي الواحد، بادّعاءات قومية وطائفية ضد اليهود؛ لكي يبدأ العراقي بالتنفر من اليهود, واتّهامهم بالانتماء إلى الحزب الشيوعي , وفبركة قضية (الفرهود) عام 1941م، التي اتُّهم يهود العراق بها زوراً, وقتل في هذا الحادث عشرات من المواطنين اليهود، وعمّت الفوضى كل بغداد.


مع تنامي النفس القومي العربي، حيث كان في أوجه عند الشعوب العربية, تناسوا أنّ اليهود والمسيح والمسلمين من جذر واحد ألا وهي السامية، وكلهم من أبناء سام بن نوح× ، وهو أبو الشعوب السامية.


 ومما زاد الطين بلّة دور الحروب العربية الإسرائيلية، ومأساة الفلسطينيين، التي أشاعت روح الغضب في الرأي العام على يهود العراق. 


وللتاريخ نذكر نحن أبناء العراق أنّ يهود العراق كانوا من أكثر الناس وطنية وحرصاً على البقاء والعيش في بلدهم, إلى درجة أنهم كانوا من أشد المخالفين لقيام دولة إسرائيل. 


كل هذه الأحداث المأساوية جرت على شعب عاش آلاف السنين على هذه الأرض.. وبعد طردهم من جميع الوظائف الرسمية في الدولة، ومنعهم من المدارس، وعدم تمشية أُمورهم ومعاملاتهم، والتضييق عليهم من قبل رجال الدولة، وسجنهم وإعدامهم, جاء القرار الحاسم بطردهم من العراق أرض آبائهم وأجدادهم إلى إسرائيل عام 1950 ـ 1951م وإسقاط الجنسية العراقية منهم , وتُعدّ هذه الهجرة هي الهجرة الجماهيرية الكبيرة ليهود العراق.


لقد أثّر هذا القرار الجائر على ديموغرافية العراق, وأفرغه من شخصياته العلمية، والفكرية، والاقتصادية، الأمر الذي أثّر سلباً على البلد.


واستمرت ظاهرة التهجير (التسفير)، حتى إنّ كثيراً من العراقيين في السبعينات من عموم أتباع الأديان نالهم أذىً وظلم كبير.. 


 


المزارات والمعاهد والشخصيات اليهودية في العراق 


أمّا المزارات الدينية لليهود في العراق فهي كثيرة، منها:


الكفل: وهي قريبة على محافظة الحلة، أي بابل. أتذكر هنا خاطرة لي في العراق, عندما كنا نذهب من النجف الأشرف إلى بغداد في أواخر الثمانينيات من القرن المنصرم , عن طريق مدينة الكفل، كنا نرى أحياناً يهوداً طاعنين في السن, نعرفهم من شعر رؤوسهم؛ لأنّ المؤمن اليهودي يتميز بضفيرة الشعر الطويلة, وأتذكر أيضاً وجود لوحات صغيرة على جدران المدينة مكتوب عليها (يمنع التصوير) خشية تسليط الإعلام الضوء على تلك المناطق, لوجود اليهود فيها.


مزار عزرا: وهو كاهن يهودي عمل على استقرار شعبه في اُورشليم بعد الجلاء, له سفر عزرا القرن 5 ق.م.


مزار النبيّ ناحور: وهو قرب الموصل. ومقام النبيّ يوشع وغيرهم. 


وأمّا المعاهد الدينية والمدارس الأكاديمية، فلربما يقال: إنّ قدمها قدم اليهود في العراق، يقول الباحث رشيد الخيون في كتابه: <إشتهر اليهود بعنايتهم بالتعليم منذ عهدهم البابلي, ومن مدارسهم القديمة سورا ببابل 219م. ... فحتى العام 150م كان لليهود تسع عشرة مدرسة أهلية...>(). 


أمّا شخصياتهم، فهي الأُخرى كثيرة أيضاً، منهم الوزير، والطبيب، والكاتب، والتاجر, ولعل من أهم شخصياتهم في العراق وزير المالية العراقي الأول في العهد الملكي 1921م، وهو ساسون حسقيل.


 وحتى بعد هجرتهم إلى إسرائيل، كان يهود العراق جزءاً من تكنوقراط الدولة الإسرائيلية الحديثة, كوزير الدفاع السابق بنيامين بن اليعيزر, وعوفاديا يوسف حاخام اليهود الشرقيين في إسرائيل والزعيم الروحي لحزب شاس لليهود الأرثودكس, وهو من مواليد 1920م البصرة. 


 


الإحصاءات الرسمية ليهود العراق 


كان لليهود تواجد كاد أن يكون في جميع محافظات العراق من شماله إلى جنوبه, حتى في المدن المحافظة دينياً، فقد كنا نلحظ لهم تواجداً في بعض مناطق البلدة هنا وهناك، فعلى سبيل المثال: في النجف الأشرف يوجد زقاق باسم اليهود يدعى (عكد اليهودي)، والعكد (بالكاف الفارسية الثانية المغلّظة)، ويعني: الزقاق وكذلك الحال في كربلاء المقدسة أيضاً وغيرها من المناطق العراقية.


الأُستاذ رشيد الخيون ينقل لنا بعض الإحصاءات عنهم:


بعد قانون إسقاط الجنسية سنة 1950م تضاءل عدد يهود العراق الكلي إلى (5000) نسمة، يقيم معظمهم ببغداد. وقد بلغ عددهم حسب إحصاء 1957م (4906) نسمة، وحالياً لم يبق منهم غير 381، نسمة، ذلك حسب تقرير مديرية الأمن العامة, وورد في التقرير المذكور أنّ عددهم أخذ بالتنازل بسبب الهجرة المستمرة, والتي تصاعدت جداً في 1950 ـ 1951م , وبين سنوات (1965 ـ 1977) بعد أن استقر في عهد عبد الكريم قاسم, وحسب الإحصاءات: (1947، 1957، 1965، 1977) تضاءل عددهم كالآتي: (118169 ـ 4319 ـ 3178 ـ 381)> (). 


الخلاصة


1 ـ اليهود من أتباع موسى بن عمران× , وهي ديانة سماوية، ويعدّون من أهل الكتاب.


2 ـ كتابهم المقدّس العهد القديم ويسمى بالتوراة, وهو الكتاب الذي نزل من الله على موسى, والتلمود هو الكتاب الثاني المقدّس، وفيه الأحاديث الشفوية لموسى.


3 ـ لقد عانى العبريون، الأجداد الأوائل لليهود، منذ تكوينهم على عهد إبراهيم من التهجير والتشريد، وأصبحت ظاهرة مطّردة لازمتهم على مرّ تاريخهم.


4 ـ للقدس مكانة خاصة لديهم، وهي أرض الميعاد حسب التوراة.


5 ـ يوم السبت من مقدّساتهم، ويجب على المؤمن أن لا يفعل أيّ عمل دنيوي فيه, بل ينقطع إلى الله للعبادة.


6 ـ يرجع تاريخ يهود العراق إلى النبيّ إبراهيم، أي ما يقارب 2000 سنة ق.م .


7 ـ تآخى يهود العراق مع باقي الشرائح الاجتماعية, وعاشوا ضمن النسيج الاجتماعي العراقي الواحد. 


8 ـ أول هجرة جماعية ليهود العراق إلى إسرائيل الحديثة تمت سنة 1950م .


9 ـ عددهم الآن في العراق يناهز العشرات فحسب.


 


الفصل الثالث: المسيحيون


 


 


 


 


 


 


 


الفصل الثالث


 


المسيحيون


 


 


 


 


 


 


مـدخـل


 


{... وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ...}(). 


{... إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ...} ().


{... وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى...} () .


 


النصرانية


ديانة سماوية، ولهم كتاب من الله عزّ وجلّ, هو الإنجيل. ينتسبون لعيسى بن مريم بالنبوة، وقد ذكر القرءان الكريم السيد المسيح× () بمجموعة من القصص تتعلق بولادته ونشأته ونبوته ومعجزاته. وهو من أنبياء أُولي العزم، وقد بُشّر به في التوراة, وجاء بعد النبيّ موسى بن عمران وقبل خاتم الأنبياء محمد بن عبد الله ’ .


تاريخ الديانة المسيحية


بداية نجد من الضروري استعراض جملة من الشخصيات التاريخية التي ارتبطت بالسيد المسيح، وكان لها تأثير مباشر في ولادته ونشأته وحركته الرسالية، ثم نعرّج على شخصية المسيح ونبوّته.


زكريا


هو أحد أنبياء بني إسرائيل, ومن خدمة الهيكل المقدس. كان كبير السن، عمره يناهز التسعين, لم يرزق ولداً؛ لأن زوجته كانت عاقراً. كان يتمنى أن يكون له ولدٌ لسببين:


الأول: باعتبار نوازع الأُبوّة فيه ككل الآباء.


والثاني: لممارسة دور الإصلاح والتغيير في أُمّة بني إسرائيل بعد أن لمس فيهم بوادر الضلال والانحدار، ولعل الثاني من السببين هو الأهم.


ونتيجة لسنّه الطاعن، أوكل أمره إلى الله تعالى بأن يرزقه ولداً يحقق أُمنياته, فقد نصّ القرءان الكريم على ذلك بقوله: {هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ * فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ * قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عاقِرٌ قالَ كَذلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ} (). 


يحيى


يحيى بن زكريا، وهو من الأنبياء الصالحين، ولقد امتاز بوصوله لمقام النبوة في مرحلة الطفولة، فقد أعطته السماء عقلاً وذكاءً وقّاداً, ومن صفاته× أنه كان حصوراً، وهي تعني الشخص الذي ترك ملذات الدنيا وشهواتها.


وينسب الصابئة والمسيح التعميد المشهور عندهم إلى النبيّ يحيى بن زكريا، حيث كان يُعمِّد، أي يغسل المؤمنين في نهر الأُردن للتوبة من الخطايا وللتطهير من الذنوب، وقد كان اليهود يسمونه يحيى المعمدان، وهو× الذي عمَّد عيسى بن مريم.


وليس ليحيى× كتاب خاص، فقد دعا الناس لاتّباع التوراة وديانة موسى بن عمران. فيما تعتقد الديانة الصابئية أنه× المخلّص من ظلم اليهود.


وأمّا قوله تعالى: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ}(), فلا دلالة فيه على امتلاك يحيى× لكتاب خاص، وذلك لسببين:


إمّا لأنّ الآية تريد الإشارة إلى أهمية التوراة نفسها بشهادة الألف واللام العهدية في كلمة الكتاب.


وإمّا لأنّ كلمة الكتاب تعني الزبور كزبور داود الذي هو في طول التوراة لا في عرضها. وهذا ما أشارت إليه أهم كتب التفسير.


يوسف


وهو شاب صالح من بني إسرائيل، كان عمله النجارة. خطب مريم العذراء, وقد علم فيما بعد بحمل مريم÷ , فصمم على تركها، ولكنه رأى في المنام أنّ مريم بريئة ويجب عليه البقاء معها مدافعاً عنها أمام الناس.


عمران


أحد عظماء بني إسرائيل. كانت زوجته عاقراً، وهي كبيرة السن، ولم ترزق ولداً، فتوجهت إلى الله متوسلة بأن يرزقها ولداً تجعله خادماً للهيكل المقدس. فاستجاب لها الله دعوتها فحملت, وقبل وضع الجنين توفي زوجها عمران, وعندما وضعت خاب أملها، وتبين أنّ الطفل بنتٌ فسمتها مريم.


{إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا...}().


مريم


عندما ولدت زوجة عمران مريم÷ ظنّت أنها لا تصلح للخدمة في الهيكل المقدس, إلاّ أنّ الكهنة لم يمانعوا من خدمة مريم÷، ولقد وقع الخلاف بينهم في من الذي يتبنّى تربيتها؟ فقرعوا فيما بينهم، فكانت من نصيب النبي زكريا× , حيث لم يولد يحيى لزكريا بعد. فنشأت مريم في مكان مقدّس وبإشراف شخص مقدّس معصوم.


عيسى بن مريم


تُعدّ ولادة المسيح إحدى أعظم معجزات الله تعالى في الكون، حيث ولد من غير أب، وعلى طريقة غير متعارف عليها في ناموس الطبيعة.


في يوم من الأيام كانت مريم كعادتها معتكفة في بيت المقدس، ومشغولة بعبادة الله تعالى, فرأت مستغربة رجلاً أمامها يقول لها: {إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا}(), فاندهشت من هذا الكلام المفاجئ الغريب وصاحت: {أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا}()، فأجابها الرسول: {كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا}().


عندما نقرأ الآيات القرآنية، ونرى فيها سرد قصة عمران ومريم وعيسى× ، يعجز القلم أن يكتب شيئاً في مقابل ذلك السرد الرائع؛ لأنه مذكور بالتفصيل وببلاغة عالية.


لكنّ السيدة مريم العذراء كانت تخشى وتخاف ـ بحق ـ من التهم التي ستوجه إليها من الكهنة وعموم بني إسرائيل، حول كيفية ولادة عيسى من غير أب, فقالت من شدة الخوف: {لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا}(). وفكرت كيف يمكن أن تعطي اللبن لابنها، ولا تملك من الطعام والشراب شيئاً, فناداها الملاك: {أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا}(). سريّاً، أي جدول ماء.


الجدير بالذكر هو أنّ نبوة عيسى× وبعض معجزاته بدأت منذ ولادته، حيث تكلم مع الكهنة ليثبت لهم المعجزة الإلهية، ومن ثم أحقيته، {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا}(). 


إنّ النبوّة والرسالة أمران مختلفان، فمن الممكن الفصل بينهما, حيث يعتقد المسلمون بوجود مئة وأربعة وعشرين ألف نبيّ, دورهم هو الإصلاح والإرشاد والوعظ والتأكيد على الرسالة السابقة والدعوة لها. أمّا الرسل فهم خمسة فقط، وهم الأنبياء من أُولي العزم , حيث تكون رسالتهم للبشرية جمعاء, والرسل هم حسب الترتيب نوح وإبراهيم وموسى وعيسى^ , وآخرهم وخاتمهم محمد ’ .


 والنسبة بين النبوة والرسالة عموم وخصوص مطلق، كما يصطلح عليه في المنطق, أي كلّ رسول نبيّ، وليس من الضروري أن يكون كلّ نبيّ رسول, فهما منصبان إلهيان منفصلان تماماً.


قد يرد على الذهن عند قراءة الآية الأخيرة من بين الآيات التي ذكرنا آنفاً إشكالٌ مفاده: إنّ النبيّ عيسى× وصله الكتاب وهو في المهد، فكيف يقال إنّ رسالته بدأت في سن الثلاثين؟ 


لقد اشتهر بين الباحثين في علم الأديان أنّ ثبوت نبوة عيسى بن مريم× قد تمّ من خلال معجزته وهو في المهد, فيما كان إبلاغ رسالته في سن الثلاثين. يذكر الشهرستاني في الملل والنحل: <وقد أوحى الله تعالى إليه: إنطاقاً في المهد, وأوحى إليه: إبلاغاً عند الثلاثين>، ويقول في نفس الصفحة ما نصّه: <وكانت مدة دعوته ثلاث سنين، وثلاثة أشهر، وثلاثة أيام>(). 


 يذكر الدكتور أحمد شلبي في كتابه ما نصه: <بُعث المسيح وهو في حوالي الثلاثين من عمره>(). 


لذلك نجد أنفسنا مضطرين لتبيان معنى الكتاب المذكور في الآية الكريمة {آتَانِيَ الْكِتَابَ}, ففيه عدة احتمالات، أهمها :


الاحتمال الأول:


يُقصد به الإنجيل. والمشهور أنّ هذا الكتاب المقدّس نزل على صدر عيسى بن مريم بطريقتين: الأُولى دُفعية، أي مرة واحدة؛ والثانية تدريجية. كانت الدفعية عند الولادة، والتدريجية عند بلوغ سن الثلاثين، أي عندما كلفه الله تعالى بتبليغ الرسالة للأُمّة. وعليه، يتضح أنّ المراد بالكتاب الوارد في الآية هو المنزل دفعةً لتتويجه بالنبوة لا بالرسالة التي بلغ بها في سن الثلاثين.


الاحتمال الثاني:


هناك آيات كثيرة في القرءان الكريم جاءت بصيغة الماضي، لكنّ المقصود منها أمر سيحدث في المستقبل، ومثل هذا الاستعمال وارد عند العرب. فمثلاً في سورة الفجر عبّر الباري تعالى بصيغة الماضي عن أمر سوف يحصل في المستقبل {وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا}()، وهذه الآية وردت لوصف يوم القيامة مع أنه لم يحصل بعد.


إذن، يمكن القول إنّ عيسى× بولادته صار نبياً, وله بعض المعجزات, وفي سن الثلاثين صار رسولاً, وله كتابه الخاص المنزل من الله.


وفي سياق الحديث عن نبوة عيسى× ومعجزته في المهد يهمني أن أُناقش الشبهة الواردة حول تصدّي الإمام الجواد× للإمامة وقيادة الأُمّة في سنّ مبكر, وهو الإمام التاسع من ذرية رسول الله، فأقول:


إنّ هذا الأمر قد حصل في النبيّ عيسى^، وحكم الأمثال فيما يجوز وفيما لا يجوز واحد.


 


ضرورة بعثة النبي عيسى


عند استعراض مراحل بعثة الأنبياء× منذ آدم إلى محمد ’ نلحظ سنّة تاريخية لا تكاد تتغير، مفادها: إنّ الأُمم والشعوب كلما مرّت بانحدارات أخلاقية ومنعطفات اجتماعية يأتي دور الأنبياء والمصلحين لانتشالها من الانحدار والظلال, وهكذا كانت أُمّة بني إسرائيل قُبيل بعثة المسيح× ، فقد تردّى الوضع الأخلاقي والاجتماعي لأسباب عديدة:


منها: ظلم واستبداد قياصرة الرومان وحكم الناس بالقوة والعنف.


ومنها: انتشار ظاهرة الرقّ واستعباد الناس وقد خلقهم الله أحراراً.


ومنها: بل من أهمها، تحول كهنة اليهود إلى متاجرين بالدين من خلال نفوذهم، واستحواذهم على كل الوسائط التي تربط المتدينين بالله عزّ وجلّ, فقد جعلوا أنفسهم الواسطة الوحيدة للتقرب إلى الله, وما يجمع كل هذه العلل والأسباب جوهر واحد هو ابتعاد بني إسرائيل عن كل ما له صلة بالله، والآخرة، والروح، وقدرة الباري عزّ وجلّ في الكون، بل كل المفاهيم الأخلاقية السامية، والغرق في عالم الدنيا وشهواتها وملذاتها، والتنكر للإرادة الإلهية على صنع المعجزات.


وفي ظل هذه الأجواء، برزت قدرة الباري تعالى وإرادته متمثلة بمعجزة ولادة المسيح× من غير أب، ضاربة صميم المفاهيم المغلوطة التي كان يحملها الرهبان اليهود . فقد ولد في هذا العالم مولود من غير أب، مما يعني أنّ يد السماء قادرة على أن تخلق الأشياء لا من شيء، كما ورد نصّ هذا الكلام عن سيدتنا فاطمة الزهراء÷. فالأشياء بالنسبة لها هي قول كن فتكون, وقد كان عيسى× يدعو الناس إلى الإيمان بالفاعل المطلق . 


وكردّة فعل على المادية المتأصلة عند بني إسرائيل، والابتعاد عن الفضائل والأخلاق، جاءت رسالة عيسى× مركزةً على البعد الروحي والأخلاقي والغيبي في حياة الناس، إلى درجة استحواذ المفاهيم الأخلاقية والروحية على العهد الجديد في مقابل تفاصيل أحكام الشريعة. 


 


عالمية رسالة المسيح


لقد بُعث المسيح× برسالة عالمية؛ لأنه من الأنبياء أُولي العزم، كما نعتقد، إلاّ أنّ أتباعه ادعوا أنّ رسالته كانت مقتصرة على بني إسرائيل في البداية, ثم توسعت لتشمل كل البشر على يد بولس, إلاّ أنّ هذا الاعتقاد غير صحيح. والغريب في الأمر أنّ بعض الكتّاب المسلمين، كالدكتور أحمد شلبي، ينسب هذا الرأي إلى كل المسلمين حسب ما ورد عنه في كتابه المسيحية: <يعتقد المسلمون أنّ عيسى بن مريم رسول إلى بني إسرائيل خاصة، قال تعالى: {ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل * ورسولا إلى بني إسرائيل}()>()، وقد وافقه الدكتور إبراهيم العاتي على ذلك.


وأمّا الآية التي استشهد بها الدكتور فلا دلالة فيها على ما ذهب إليه؛ لأنّ الآية ليست في صدد الحصر، فإنّ إثبات شيء لا ينفي ما عداه. والشاهد على صحة ما نذهب إليه هو أنّ بعض الأنبياء بُعثوا إلى مجتمعات خاصة، ولكن هذا لا يعني انحصار رسالتهم بتلك المجتمعات، كالنبيّ موسى× الذي بُعث إلى العبريين، والنبيّ محمد ’ في الجزيرة العربية .


قصة المسيح


عودٌ على بدء، فقد عاش السيد المسيح في أثناء تبليغ رسالته، أي بعد سن الثلاثين من عمره، صراعاً على مستويين: الأول مع رهبان اليهود وهو الأشد والأقوى. والثاني مع قياصرة الرومان.


فقد تجلّى الأول في قدرة عيسى بن مريم على نشر دعوته السمحاء، ومواجهتهم بالأخلاقيات والمعجزات الإلهية، فقد كان يُبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله، ويحيي الموتى بإذن الله, لذا تحول الرهبان إلى خصوم أشدّاء متشبثين بكل الوسائل للنيل منه× .


فيما جاء القياصرة في الدرجة الثانية في معاداته بعد أن قضّ مضاجعهم وهدّد سلطانهم على إثر دعوته للناس بالتحرر من الرق والعبودية وظلم القياصرة. 


وبعد بلوغ الصراع ذروته بين الكهنة والسيد المسيح× , التجأ الكهنة إلى القيصر الروماني ـ الذي كان محايداً إلى درجة ما مع رسالة المسيح ـ لاستدراج عيسى وإلقاء القبض عليه، ومن ثم صلبه وقتله, فتوافقت رؤية الرهبان والحاكم الروماني على توزيع الأدوار في وأد حركة السيد المسيح, فأخذ الرهبان على عاتقهم دور البحث والتوصل إلى المطلوب، فيما تولت السلطة دور تنفيذ الحكم وإلقاء القبض عليه. أخيراً نجح كهنة اليهود وبإرشاد من أحد الحواريين الاثني عشر المقربين من عيسى× ، وهو يهوذا الاسخريوطي, حيث رُشي بثلاثين قطعة من الفضة, استطاعوا التعرّف والوصول إلى مكانه× . 


وللتاريخ نقول: إنّ قرب الأشخاص وبعدهم عن الأنبياء لا يعني مقياساً للصلاح والفساد, فقد يكون الشخص قريباً من النبي جسدياً، ولكنه بعيدٌ عنه كلّ البعد روحياً وأخلاقياً, والعكس صحيح أيضاً, وهذه هي مصائر الأنبياء وأقدارهم من التنكر والخيانة والجفاء لهم من أقرب الناس إليهم ظاهراً.


ونتيجة لوشاية الحواري، وقوة رجال الرومان المهاجمين, يعتقد المسيحيون أنه صلب، وأنه قتل، وسيعود آخر الزمان ليخلّص الناس من الظلم والجور، فهو المسيح المخلّص.


أمّا رأي المسلمين فيختلف تماماً حسب صريح القرءان الكريم: {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا المَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ...}()، فقد اشتهر بين مفسري القرءان على أنه× لم يُقتل ولم يُصلب، بل رفع الى السماء وسيظهر في آخر الزمان، الأمر الذي يقبله المسيحيون، وقد أضاف المسلمون شيئاً آخر في كيفية خروجه، قائلين: بأنه سيخرج مع الإمام المهدي المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف الذي سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما مُلئت ظلماً وجوراً.


وعزوفاً عن الإطناب والإطالة نترك التفصيل في مضامين الآية لمن يريده مراجعته في مظانّه من كتب التفسير، ففي الآية بحث ونقاش وآراء كثيرة وطويلة.


 


النصارى والمسيحيون


 المقصود بهما شيءٌ واحد، فكلاهما أتباع المسيح عيسى بن مريم× ، ولكنّ النسبة فيهما تختلف.


فإذا نُسبوا إلى مدينة الناصرة ـ حيث موطن تبليغ رسالته× ـ أو لكونهم نصروا السيد المسيح سمّوا نصارى, وهم القلة المؤمنون من بني إسرائيل، أي الحواريون الذين كانوا مُبشرين به× في التوراة، فآمنوا به فور إثبات معجزاته , وكانوا يتوقعون مجيئه.


أمّا إذا نُسبوا إلى اسمه× سمّوا مسيحيين، وهي تعني الدهن بالزيت أو المبارك.


 


كتبهم المقدسة


الكتاب المقدّس الأول عند المسيحيين هو العهد القديم والعهد الجديد. والثاني ينقسم إلى قسمين: الإنجيل؛ وأعمال الرسل. والمجموع سبعة وعشرون سفراً,


هذا الكتاب وُضع في البدء باللغة اليونانية, مع أنّ لسان عيسى× كان يتكلم الآرامية. ينسب كثير من الباحثين تدوين الأناجيل إلى ما بين سنة 65 ـ 100م، إلاّ أنّ بعض هذه الأناجيل تأخر نشره إلى عقود, فوقت النشر لا يدلّ على وقت الكتابة.


 


الإنجيل


معناه باليونانية (البشرى)، أي الخلاص. هو الكتاب المنزل من قبل الله تعالى على المسيح عيسى بن مريم× لهداية البشر, ويسمى بالعهد الجديد مقابل التوراة العهد القديم، الذي يقدّسه المسيحيون أيضاً. لكن ما حصل أنّ الإنجيل لم يكن في زمن عيسى كتاباً مدوّناً بين دفتين, بل هو رسائل شفهية أو خطية إلى رسله وأصحابه وعموم المسيحيين. 


نطالع في المدخل إلى العهد الجديد النصّ التالي: <كانت السلطة العليا في أُمور الدين تتمثل عند مسيحيي الجيل الأول في مرجعين: أولهما العهد القديم , وكان الكتبة المسيحيون الأولون يستشهدون بجميع أجزائه على وجه التقريب ... .


وأمّا المرجع الآخر الذي نما نمواً سريعاً، فقد أجمعوا على تسمية (الرب). وكان يطلق هذا الاسم على كل من التعليم الذي ألقاه يسوع ... .


وأمّا أقوال الرب، وما كان يبشر به الرسل, فقد تناقلتها ألسنة الحفاظ مدة طويلة، ولم يشعر المسيحيون الأولون إلاّ بعد وفاة آخر الرسل بضرورة كلٍّ من: تدوين أهم ما علّمه الرسل، وتولّي حفظ ما كتبوه ... ويبدو أنّ المسيحيين, حتى ما يقرب من السنة 150م, تدرجوا من حيث لم يشعروا بالأمر إلاّ قليلاً جداً إلى الشروع في أثناء مجموعة جديدة من الأسفار المقدسة>().


كُتب الإنجيل بأربع روايات مختلفة في الجملة, خصوصاً من حيث الاهتمام، فأحدهم يركّز على نسب المسيح، والآخر على نصائحه الأخلاقية، وهكذا, وفي بعض الأحيان نجد اختلافاً وتناقضاً في قصة وحدث واحد. ونستشهد لذلك بنصّ من مدخل إلى الأناجيل الإزائية، إذ يقول: ().


الأناجيل الأربعة


1 ـ إنجيل متي: الإنجيل كما رواه متي، وهو من الحواريين الاثني عشر, هو الأكثر تشديداً على الشريعة والكتاب المقدس والعادات اليهودية, ومتي هو أول من كتب الإنجيل للمؤمنين الذين من أصل يهودي, تاريخه بين السنة 80 والسنة90. لكنّ الأُستاذ أحمد شلبي يذكر في كتابه:


الأُولى: متي كتب إنجيله بالآرامية, ولكن النسخة الآرامية لا وجود لها, ولا يُعرف بالضبط تاريخ تأليفها.


الثانية: ظهر كتاب باللغة اليونانية قيل إنه ترجمة إنجيل متي, ولم يُعرف المترجم ولا تاريخ الترجمة>() .


2 ـ إنجيل مرقس: الإنجيل كما رواه مرقس، وهو واحد من السبعين تلميذاً, عبارة عن سلسلة روايات قصيرة خالية من الروابط الدقيقة. يذكر في مقدمة إنجيل مرقس أنه: <منذ نحو السنة 150م أثبت بابياس, مطران هيرابوليس, نسبة الإنجيل الثاني لمرقس (لسان حال) بطرس في رومة ... ويكاد أن يكون إجماع على أنّ الكتاب أُلف في رومة بعد اضطهاد نيرون السنة 64م...>().


أمّا كتاب المسيحية، فقد جاء فيه ما يلي: <مرقص من السبعين الذين تحدثنا عنهم فيما سبق, وقد طاف في البلاد داعياً للمسيحية، ثم اتّخذ مصر مقراً له, وقد قتل 62م>().


3 ـ إنجيل لوقا: لوقا هو كاتب هذا الإنجيل، وهو أيضاً واحد من السبعين تلميذاً, وعلى الأغلب كُتب بين سنة80 ـ 90م . لكنّ أحمد شلبي يقول: لوقا من تلاميذ بولس(). 


4 ـ إنجيل يوحنا: هذا الإنجيل رواه يوحنا، وهو واحد من الرسل الاثني عشر, وهو من أهم الأناجيل عند المسيحيين، حيث صرّح بأُلوهية عيسى× ، وصدر في أواخر القرن الأول الميلادي.


نذكر هنا نصّاً من إنجيل يوحنا، كشاهد على المدّعى، حيث يقول: <في البدء كان الكلمة والكلمة كان لدى الله والكلمة هو الله>(). المقصود من الكلمة المسيح عيسى بن مريم .


 


أعمال الرسل


هو القسم الثاني من العهد الجديد. مؤلفه هو مؤلف الإنجيل الثالث، أي لوقا. وقد ألّفه بعد روايته للإنجيل الثالث.


أمّا لماذا كتب هذا السفر بعد روايته للإنجيل؟


قيل في ذلك: لأنّ فيه تفسيرٌ للتاريخ بصراحة أكثر مما هو في الإنجيل. وهو في الحقيقة سيرة حياة بولس الرسول، وكيف بلّغ للمسيحية في أرجاء العالم سواء للوثنيين أو اليهود أو عموم المسيحيين. ووصف بولس الرسول تلميذه البار لوقا بـ(الطبيب الحبيب), ولوقا كان من المقربين إلى بولس بعد أن آمن به.


بولس الرسول: هذه الشخصية من أهم الشخصيات المسيحية الذي له دور في تجديد وتغير الكثير من المفاهيم المسيحية، ويعتبر من الرموز الدينية المحترمة عند المسيحيين. ومن شاء المزيد من التفصيل عن بولس الرسول ـ شاوُل ـ فليراجع أعمال الرسل، حيث كتبه تلميذه لوقا , فهو يسرد لنا كيف كان يهودياً متعصباً، ومن ثم كيف تحول إلى المسيحية، وكيف خاطبه الرب وظل يبلّغ للديانة المسيحية, حتى إنّ الكهنة اليهود وشخصياتهم حاربوه، وألقوا القبض عليه في الهيكل المقدس، وطلبوا من الرومان أن يلقوه في السجن، وبقي على هذا الحال حتى أبعدوه إلى روما ومات هناك.


اسمه الحقيقي شاوُل، وهو يهودي الأصل، وكان من المتعصبين بإفراط لليهودية، حيث اضطهد المسيحيين والكنيسة باعترافه بذلك في سفر أعمال الرسل، حيث نُقل عنه قوله: ().


وفي موضع آخر من أعمال الرسل يقول بولس: ().


إذن، هو من مواليد العقود الأُولى من القرن الأول للميلاد , وقتل في روما سنة67م .فمن هنا يقول كثير من الباحثين: إنّ الأناجيل تأثرت بشكل أو بآخر بأفكار بولس أكثر من أفكار عيسى بن مريم خصوصاً إنجيل لوقا.


فكيف صار بولس مسيحياً؟


الجواب يأتينا من أعمال الرسل: ().


وفي سياق الحديث عن بولس ـ الرسول ـ نود التنبيه على أمر مهم يتعلق بهذه الشخصية, فقد قيل بأن هذا الشخص أول من نسب إلى عيسى بن مريم بنوته لله تعالى. 


ظلت المسيحية مضطهدة إلى ثلاثة قرون، وغير معترف بها، وكانت السلطة القوية آنذاك بيد الرومان، ففي سنة 313م صدر قرار يعترف بالمسيحية ويساويها بالأديان الأُخرى, خصوصاً في زمن الإمبراطور قسطنطين الذي عفا القساوسة من الضرائب، وبنى لهم الكنائس على حساب الدولة، وجعل للكنيسة قضاءها الخاص، والأحد يوم عطلة رسمية، واستمر الحال حتى سنة438م حيث أجبر قانون ثيودوس الجميع على اعتناق المسيحية. وبدأت التنظيمات الإدارية للكنيسة، وجعل لها رجالاً مختصين لخدمتها وتسيير أعمالها. 


جدير بالذكر أنّ أول من استعمل مصطلح (رجل دين) هم المسيحيون، حيث يفرق بينه وبين العلماني، الذي يدعو للفصل بين الدين والسياسة.


 ولقد كانت وما تزال السلطة العليا في الكنيسة بيد البابا فهو المشرّع والمفسّر الوحيد للكتاب المقدس.


أهم عقائدهم


أولاً : التثليث


المقصود منه الأقانيم الثلاثة: الله الأب, والله الابن, والله الروح المقدس. إنهم جميعاً كانوا منذ الأزل, الوحدانية في التثليث والتثليث في الوحدانية.


لا نريد الخوض في تفاصيل مناقشة هذا الرأي؛ لأنه يتعارض ابتداء مع روح وحقيقة توحيد الله تبارك وتعالى. وفيما نعتقد أنّ فكرة التوحيد وفكرة التثليث متعارضتان, وقد اختلف رجال الكنيسة في تفسير أقوال كل من السيد المسيح وبولس ـ الرسول ـ وهذا الاختلاف أولد نوعاً من الالتباس عندهم. ولا تزال هذه العقيدة محل بحث ونقاش بين علماء الدين المسيحيين أنفسهم.


هذا التثليث لا محالة ينتهي إلى أُلوهية الابن، أي المسيح عيسى, ويستلزم ـ والعياذ بالله ـ نقصان واحتياج الله الواحد الأحد, ولعل المراد من أُلوهية الابن هو كونه فيض من وجود الله، وهو مخلوقه الأول.


والقول بالتثليث والمساواة بين الأب والابن وروح القدس، هو أحد أهم الأسباب لتعدد الطوائف المسيحية.


ثانياً: صلب المسيح للتكفير عن خطيئة الإنسان


يعتقد المسيحيون بعدالة الباري سبحانه وتعالى، كما يعتقدون بأن الله عاقب الناس على أثر خطيئة أبيهم آدم× ، فما كان منه عزّ وجلّ إلاّ أن افتدى خطايا البشر بصلب ابنه المسيح. فبقتله غُفرت الذنوب والآثام، وهي الطريقة التي جمع فيها الرب بين العدل والرحمة حسب اعتقادهم. 


 


أهم الشعائر المسيحية 


أولاً ـ التعميد


هو نفس تعميد الديانة الصابئية، حيث يعتقد المسيحيون أن يحيى عمّد عيسى× في نهر الأُردن, وغالباً ما يعمّدون الإنسان حين الولادة أو آخر أيام حياته؛ لغسل الذنوب والخطايا. 


ثانياً ـ العشاء الربّاني


وهو من الشعائر الدينية المقدّسة، وفي اعتقادهم أنّه آخر عشاء تناوله عيسى مع أصحابه وتلامذته, حيث اقتسم الخبز والنبيذ معهم, فالخبز يرمز إلى جسد المسيح والنبيذ إلى دمه.


ثالثاً: تقديس الصليب وحمله


طريقة قتل الإنسان وهو مصلوباً على الخشبة من الطرق التي استعملها الرومان لقتل المجرمين, وفي اعتقاد المسيح أنّ عيسى× صُلب وقُتل بنفس الطريقة, فيلبسون الصليب الذي يرمز لذلك, ويستهينون بالحياة ويعتبرون أنّ المؤمن يجب أن يكون مستعداً للموت. 


رابعاً: الأحد المقدس


اليوم الذي يتوجه فيه المسيحيون للصلاة والعبادة في الكنائس, وتعتبر العطلة الدينية المقدّسة. 


 


الفرق والطوائف المسيحية


يتحدث الشهرستاني في الملل والنحل عن المسيحة وفرقها، فيقول: <افترقت النصارى اثنتين وسبعين فرقة>().


ونحن هنا نذكر أهمها، وهي خمس فرق:


الأُولى: النسطورية


وهي من أقدم المذاهب المسيحية، وينسب المذهب إلى نسطور الذي كان بطريك القسطنطينية سنة 431م. هذا الرجل أراد إعادة المسيحية إلى التوحيد المطلق حيث ما كان, وقال: لا يمكن لمريم العذراء التي هي مخلوقة وإنسانة أن تلد الإله, للزومه الدور العقلي الذي هو واضح البطلان. نعم، مريم والدة السيد المسيح عيسى.


وفي كتاب الميزان في تفسير القرآن: <والنسطورية القائلين بأنّ النزول والبنوّة من قبيل إشراق النور على جسم شفاف كالبلور>().


 يقول أحمد شلبي في كتابه: (). 


لكنّ قسماً من الآشوريين ـ النساطرة ـ في العراق انضموا في القرن السادس عشر الميلادي إلى الكاثوليك، وهم الكلدان. علماً أنّ أقباط مصر يتبعون المذهب النسطوري ويسمون بالآشوريين.


الثانية: الأرثوذوكس


ويسمى هذا المذهب باليعقوبي نسبة إلى الداعية المسيحي المعروف يعقوب البرادعي. وهو مذهب الكنائس الشرقية. جاء هذا المذهب كردة فعل على عقيدة نسطور. أُعلن تأسيس الأرثوذوكس في مجمع خاص في مدينة إفسس بالأنضول سنة 431م, حيث يعتقدون أنّ المسيح طبيعة وحقيقة واحدة، ويعتقدون أنّ مريم العذراء والدة الإله, فالإله والمسيح شيء واحد امتزجا فيما بعد.


يذكر العلامة الطباطبائي عنهم قوله: <واليعقوبية القائلين بأنه من الانقلاب، وقد انقلب الإله سبحانه لحماً ودماً>().


وهذا الرأي من أنّ المسيح طبيعة واحدة أو طبيعتين، هو السبب الرئيس لاختلاف الكنيسة الشرقية والغربية. والأرثوذوكس منتشرون في روسيا وبلاد البلقان واليونان والشرق الأدنى. 


الثالثة: الكاثوليك


وتسمى الملكانية، وهم أصحاب ملكا الذي ظهر في روما, وهم مذهب القائلين بالطبيعتين، وجاء القرار بتأسيس هذه الطائفة سنة 451م، حيث يعتقدون أنّ المسيح أُقنوم إلهي ذو طبيعتين الإله والإنسان (لاهوتية وناسوتية) كالعملة الواحدة ذات الوجهين, فهو حقيقة واحدة لها بلحاظين، وحسب تعبير العلامة الطباطبائي: <الملكانية القائلين بالبنوّة الحقيقية>(). وكنيستهم هي أقوى الكنائس على الإطلاق، وأتباعها أكثر من مليار شخص في العالم, والفاتيكان هي سلطتهم العليا ويرأسها البابا. 


الرابعة: البروتستانية


تُنسب إلى راهب ألماني، كان كاثوليكياً اسمه مارتن وكلفين من مواليد 1483م. سمع بصكوك الغفران التي يوزعها القساوسة في الكنائس لعموم المسيحيين، حتى يضمنون لهم الجنة وتغفر ذنوبهم جميعاً, فبدأ الإصلاح الديني على الكنيسة لا على الدين المسيحي. إنتشر هذا المذهب في ألمانيا والدول الإسكندنافية واسكتلندا وسويسرا وأمريكا الشمالية.


الخامسة: المارونية


نسبة إلى ـ مار ـ مارون راهب قدّيس 410م, وهم طائفة كاثوليكية شرقية نشأت في وادي العاصي, كانوا متحدين دائماً مع كرسي روما.


ظهر منهم يوحنا مارون البطريرك من مواليد 686م، فدعا إلى أنّ للمسيح طبيعتين، ولكن له مشيئة واحدة.


ربما قد يقال إنّ المارونية ليست مذهباً مستقلاً يختلف عن الكاثوليك في العقيدة. نعم، حاله حال المذاهب الشرقية يختلف من حيث العادات والتقاليد وبعض الممارسات الدينية.


 


مسيح العراق


قبل قدوم الرسل المسيحيين إلى بلاد ما بين النهرين في القرن الثالث الميلادي، كانت هذه المنطقة تحت سيطرة الدولة الفرثية، والديانة المنتشرة آنذاك هي الزرادشتية؛ لأنّ العراق كان متاخماً للإمبراطورية الفارسية, ولغة بلاد ما بين النهرين هي اللغة الآرامية. إنّ من أوائل الذين انتموا إلى الديانة المسيحية من الشعب العراقي هم اليهود.


ينتهي وجود وتاريخ المسيحية في العراق إلى خمسة قرون قبل قدوم الإسلام, حيث ينتمي مسيحيو العراق إلى جميع الكنائس الأصلية السالفة الذكر, ويتشكلون من جميع القوميات العرقية العراقية, فهم ينتسبون تارة باسم الطائفة، وأُخرى باسم القومية أو اللغة، وثالثة باسم مؤسسها أو المدينة التي تأسس المذهب فيها، وأخيراً قد تكون النسبة مزيجاً من هذه الثلاثة.


وكما ذكرنا آنفاً, فالطوائف الرئيسة أربع، والباقي لا تختلف عنها في أصل العقيدة، غاية ما في الأمر قد تختلف في اللغة والقومية والحضارة وبعض الشعائر والعادات الاجتماعية التي تخصّ تلك القومية أو المنطقة.


وإليك لمحة عن كل طائفة من هذه الطوائف الأربع:


1 ـ الطائفة السريانية 


نسبتهم إلى اللغة لا إلى القومية, فهم المسيحيون من أبناء اللغة السريانية التي هي اللغة الآرامية، وهم من أحفاد سام بن نوح. تفرعت منهم الكنيسة المارونية القرن 5. توزعوا بالانتماء إلى الكنائس اليعقوبية (السريان الأرثودوكس) القرن 6, وكنيسة السريان الكاثوليك القرن7. يقول مؤرخو السريان وعلمائهم أنّ الأصل في الكلمة مأخوذ من سورس الملك الذي ظهر قبل النبي موسى× . وقبل المسيح كان السريان يسمّون آراميين. 


ويراد بالكنيسة السريانية الكنائس السريانية الطقس واللغة, وهي تنقسم بطبيعتها إلى شرقية وغربية، وهي تقسيمات جغرافية لا تعني شيئاً.


السريانية الشرقية: كانت تحت حكم الفرس، وكانت تشمل بلاد ما بين النهرين، ومركزها الديني المدائن حتى أواخر القرن الخامس.


يقول الباحث سامي نوح: .


السريانية الغربية: وهي التي كانت واقعة تحت حكم الروم، وكانت تشمل سورية وفلسطين وبلاد الشام عموماً, ويرأسها بطريرك أنطاكية مباشرةً, ولأسباب مختلفة انشق من السريانية الغربية إلى سريان الأرثوذكس في النصف الثاني من القرن الخامس. 


يسرد لنا الكاتب سامي نوح في بحثه السرياني مقالات في التاريخ عن هذه الانشقاقات فيقول: <...تفرّع عن السريان, الروم الأرثوذكس, وعنهم تفرّع الموارنة في القرن السابع, والروم الكاثوليك عام 1742م, وتفرّع عن السريان الأرثوذكس في أواسط القرن السابع عشر السريان الكاثوليك...>.


أما اللغة الكلدانية والعبرية والسريانية والآرامية والمندائية فكلها لغة واحدة للقومية السامية, لكنها تختلف باختلاف اللهجات, واسُتعملت هذه اللغة على لسان الأنبياء والكتب السماوية.


2 ـ الطائفة الآشورية


نسبة إلى الشعب السامي الذي حكم بلاد ما بين النهرين منذ القرن 18 ق.م. أمّا من الجهة الدينية، فهم يتبعون نسطور بطريرك القسطنطينية, السالف الذكر. سكنوا الموصل. وقسم من الآشوريين انضمّ إلى الكنيسة الكاثوليكية في القرن 16م.


3 ـ الطائفة الأرمنية


هي الكنيسة التي تأسست في أرمينية على يد القدّيس غريغوريوس المنور القرن 3 ق.م, وامتازت برفضها مقررات المجمع الخلقيدوني 451م، ثم أصبحت كنيسة وطنية القرن 6 الميلادي. أنشأت لها كنيسة أرمنية كاثوليكية في 1740م. واللغة الأرمنية ما زالت تستخدم كلغة للتداول اليومي في بعض القرى في الشرق الأوسط، خاصة بين معتنقي الديانة المسيحية من أبناء الكنائس ذات التراث السرياني في العراق.


4 ـ الطائفة الكلدانية


من الأقوام السامية الذين يتحدثون باللغة الآرامية، يعيشون في شمال العراق. عاش الكلدان منذ القدم بالقرب من عاصمة الآشوريين (نينوى) التي تقع في شمال العراق وتسمى في الوقت الحاضر بمدينة الموصل.


الكلدان كانوا من أوائل من اعتنقوا المسيحية، حيث كانوا إلى سنة 1552م جزءاً من الكنيسة الشرقية الآشورية إلى أن انفصلوا وقاموا بتأسيس الكنيسة الكاثوليكية الكلدانية.


أمّا الاسم كلدي، كلدو، كلداني، كلدان ظهر في وثائق التاريخ حوالي 900 قبل الميلاد. في البداية نجد الكلدان كقبائل آرامية في بابل. وفي عام 625 قبل الميلاد فتحوا بابل وأسسوا إمبراطورية بابلية كلدانية عظيمة استمرت لغاية عام 539 قبل الميلاد، حيث سقطت على يد كورش الفارسي.


 


الإحصاءات الرسمية لمسيح العراق


يذكر الباحث رشيد خيون في كتابه الأديان والمذاهب بالعراق:


كما أورد عددهم الكلي حسب الإحصاءات [السابقة على النحو الآتي]:


 






السنة




عدد النفوس






1947




149,377






1957




204,226






1965




232,406()






 


الخلاصة


1 ـ المسيحية ديانة سماوية, نبيهم عيسى بن مريم× .


2 ـ كتابهم المقدّس الإنجيل. والأناجيل متعددة، أهمها: متي, مرقس , لوقا, يوحنا. 


3 ـ بولس الرسول من الشخصيات المهمة في حياة المسيحية، ترك أثره إلى يومنا هذا، وتُنسب بعض الأناجيل له. وأمّا أعمال الرسل، فهي كتابة لوقا يسرد فيها حياة بولس.


4 ـ أهم الطوائف المسيحية. النسطورية, الكاثوليك, الأرثوذكس, البروتستانت. 


5 ـ التثليث, الذي أبرزه بولس الرسول من أهم معتقدات المسيحية, ويعبرون عنه بالأقانيم. الله تعالى أُقنوم أول، وعيسى أُقنوم ثان، وروح القدس أُقنوم ثالث.


6 ـ سبب الخلاف بين الطوائف المسيحية هو كيف يوفقون بين الوحدانية لله والتثليث، فمنهم من قال بالطبيعة الواحدة، والآخر بالطبيعتين.


7 ـ جاءت المسيحية إلى العراق في القرون الأُولى للميلاد, ولهم كنائس عديدة، وهم ينتمون إلى جميع الطوائف المسيحية، وبالخصوص الكنيسة الشرقية. ومن القوميات المسيحية واللغات المهمة في العراق: الآشوريون والكلدان والسريان والأرمن.


8 ـ كان عدد مسيح العراق في تسعينيات القرن المنصرم يقدر بحوالي 750 ألف نسمة, كانوا يسكنون بغداد والموصل وكركوك والبصرة وعموم العراق عدا بعض المدن التي تخلو منهم تماماً.


9 ـ مسيحيو العراق يعتبرون من أهم مكونات النسيج الاجتماعي العراقي، ويرجع تاريخ وجودهم في بلاد ما بين النهرين إلى قرون متمادية, وقد شكلوا طبقة متقدمة خدمت العراق الحديث. 


 


الفصل الرابع: اليزيدية


 


 


 


 


 


 


 


الفصل الرابع


 


اليزيدية


 


 


 


 


 


 


توطئة


 


إنّ الأديان السماوية تتنزل على البشر بشكل واضح وشفاف لخيرها ونجاتها ورحمة للعالمين, لكنها بمرور الأيام تنقسم إلى فرق ومذاهب تصل إلى حدّ التضاد والانحراف أحياناً, فاليهودية والمسيحية والإسلام انقسمت مثلاً إلى العشرات من الطوائف, وفي كثير من حالاتها لم تحافظ على جوهر وروح الدين، بل تأسس لها دين آخر مختلف تماماً عما جاء به الدين الأصلي, ولعل السبب الرئيس في ذلك بُعد أتباع تلك المذاهب عن المدن الدينية, أو لاستغلال بعض رجال الدين لبساطة الناس وشغفهم واحترامهم للدين ولرجاله. 


ولكن في بعض الأحيان نرى أنّ الإنسان الصالح الناسك يعبد الواحد الأحد، وهو من أتباع إحدى الديانات السماوية ومخلص لها، لكنّه بعد مماته يُؤلّه ويُعبد مع أنّ ذاك العبد الصالح لم يقصد هذا الشيء، ولم ولن يرتضي بتصرفات الجُهال من أتباعه، ولو كان لتبرأ منهم جميعاً.


فمن هنا ظهرت الدروشة والتصوف والانزواء والسلوكية والغلو والتشدّد والتطرف، وغيرها الكثير من الخرافات الأُخر والممارسات غير المنطقية خلاف الفطرة والدين, حيث تُنسب تلك الأعمال والممارسات زوراً إلى أصحاب الرسالات السماوية السمحاء، وإلى الله سبحانة وتعالى. وراح البعض يُجبر الناس على اتّباع أهوائهم الشخصية المنحرفة، والتي نسبوها إلى السماء وإلى الرسل، وهم من ذلك براء, حتى إذا تطور الأمر ورأى أنّ الجمهور البسيط يتبعه يذهب إلى ادّعاءات أكبر، فيقول: أنا الله، أو أنا الرسول المبشّر والمنقذ والمخلّص, مدّعياً النبوّة, أو معتبراً نفسه هو المفسِّر والفاهم والناطق الأوحد لله تعالى.


ونتيجة لذلك، فهم يتصورون أنّ هذه الادعاءات أمر سهل وبسيط، وليس من ورائهم التاريخ والمحاسبة العلمية النقدية. ناسين أو متناسين أنّ ادّعاء النبوة والدين الجديد ليس بذلك الأمر السهل اليسير، بل يجب عليهم ـ أصحاب تلك الدعاوى ـ مواجهة الأسئلة الكثيرة من قبل الساعين إلى معرفة الحقيقة، والباحثين عنها، والإجابة عن العديد من التساؤلات، والتي منها: ما هو الجديد في دينكم؟ من هو نبيكم؟ وما هي رسالتكم؟ وما هي عقيدتكم وشريعتكم؟ وكيف تثبتون لنا ما تدّعون؟ ما هي معجزة رسولكم؟ ووو...


فالدين نظام اجتماعي متكامل، فيه العقيدة، والشريعة، وإدارة الأُمّة ونضمها، والكثير من الأشياء والأُمور الأُخر.


ومن الديانات التي شغلت بال الباحثين والأخصائيين في علم الأديان هي الديانة اليزيدية ـ الإيزدية ـ التي يوجد فيها كلام ولغط كثير حتى بين بعض أتباع الديانة اليزيدية نفسها، فهم يتخبطون في أجوبتهم لعدم وضوحها عندهم.


لقد حارت في اليزيدية عقول الكتّاب العراقيين، حيث موطن تواجدهم ,فمنهم من يسميها إيزدية، والآخر يصرّ على أنها يزيدية ويفتخر بذلك, فيما يتهمهم البعض بعبادة الشيطان, مختلفين حول بداية الديانة ونشأتها, وهناك الكثير من الالتباس والتشويش حول ماهيتها.


ولسوف نسعى للوقوف على ما توصلنا إليه حول حقيقة هذا الدين. ولعلّ من أهم الأسباب التي جعلت الباحثين في حيرة هي باطنية الديانة اليزيدية، وعدم وجود كتب علمية دقيقة ومتكاملة من المثقفين والكتّاب وعلماء اليزيدية.


 


تسميتهم وانتسابهم


هي من الديانات القديمة الحديثة, حيث يعود تاريخ تأسيسها إلى القرن الحادي عشر الميلادي، أي الخامس للهجرة. يعود جذور تأسيسهم إلى العرب الأُمويين أو من مقربيهم الذين فروا من الشام، بعد قمع العباسيين، إلى جبال العراق في الموصل، وتحديداً في منطقة سنجار بشكل خاص. ويذكر التاريخ فرار الأُمويين إلى جبال العراق في عام 266 للهجرة تقريباً, لذلك قيل إنها ديانة سياسية أكثر مما تكون دينية، تسعى لإعادة السلطة للأُمويين.


والآن أكثر معتنقي هذه الديانة هم من الكرد، ويقطنون كردستان العراق, ويوجد فيهم من العرب، حيث صاروا يزيديين أيضاً.


وفي تسميتهم اختلافٌ، فقيل: هم يزيديون نسبة إلى يزيد بن معاوية بن أبي سفيان.


وقيل: هم إيزديون نسبة إلى آلهة الزرادشت الفارسية. والحق أنّ أغلب الباحثين ينسبون هذه الملة إلى يزيد بن معاوية، كالكاتب أنور معاوية الأُموي، وهو من أتباع الديانة اليزيدية، ومن أُمرائهم أيضاً، حيث يذكر في كتابه اليزيدية قائلاً: <ينتسب أئمة اليزيديين إلى الخليفة الأُموي الثاني يزيد بن معاوية بن أبي سفيان. وهم بذلك ينحدرون من أرومة عربية تمتد أُصولها إلى حرب بن أُمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي. وهكذا يتضح أنّ اليزيديين قد أخذوا تسميتهم من الخليفة الأُموي يزيد [الذي] ينتمي إلى أُصول قريشية ...>().


والبعض يرى أنّ: <اليزيدية: عقيدة [دينية] تقوم في الأساس على تقديس الشيطان. نسبتها إلى يزد أو يزدان من آلهة الزرادشتيين الإيرانيين، أتباعها من الأكراد ...>().


أيّد هذا الرأي الكاتب زهير كاظم عبود في كتابه الإيزدية, حيث يقول: جاءت تسميتهم باليزيدية تتمحور في محاولة البعض نسبتهم ظلماً أو جهلاً إلى يزيد بن معاوية بن أبي سفيان الأُموي.


أما الباحث رشيد خيون فيذكر في كتابه الأديان والمذاهب بالعراق مستدلاً بأُمور كثيرة لنفي نسبتهم إلى يزيد بن معاوية، وإثبات انتسابهم إلى إيزد أو يزدان والتي تعني بالزرادشتية الإله المقدس, ويقول: تسمية اليزيدية جاءت بتأثير قومي ومذهبي وخصوصاً سعي الحكومة العراقية آنذاك بالإصرار على هذه التسمية، وقد سمّوهم أيضاً بالأُمويين, ولازم هذا القول ثبوت عروبتهم، وهذا ما يؤثر على ديموغرافية المنطقة الكردية العراقية.


إنّ الحكومة العراقية بطبيعة الحال لا تفعل مثل هذه الأُمور لولا مساعدة بعض أتباع الديانة؛ لأنها تدخلت في جميع الشؤون الاجتماعية والدينية والعشائرية، حيث خلقت شخصيات ضعيفة مطيعة لها وفرضتها على تلك الطبقات، وهذا الشيء معروف في العراق.


بعد سرد هذه الآراء يقف الباحث متأرجحاً بين الأدلة, لكن ما يستقر في النفس هو أنهم يعتبرون يزيد بن معاوية رسولهم ومنقذهم، والمخلّص الذي يخرجهم من الظلم والجور, لا سيما ما يؤكده بعض كتّابهم ومثقفيهم مثل أنور الأُموي، الذي لا مصلحة له بالإصرار على انتسابهم إلى يزيد، خاصة وأنّه قد ألف كتابه في المهجر بعيداً عن سلطة النظام وقمعه في عام 2001م. وتأييداً لهذا الرأي الذي استقرت عليه النفس، هناك شواهد تذكر من قبيل: الأسماء المستعملة لأبناء اليزيدية, وبعض الطقوس والاعتقادات والالتزامات الدينية. فمن الملاحظ أنّ الديانة اليزيدية تحوي في داخلها طقوساً زرادشتية ومندائية وإسلامية. وعليه، لا نجد فيها مقومات الدين الكامل المستقل، كما في باقي الديانات السماوية.


إذن، فهي ديانة تلفيقية أكثر مما تكون مستقلة وقائمة بذاتها.


 


عدي بن مسافر


هو من كبار مشايخ المتصوفة الإسلاميين، ومؤسس الطريقة العدوية الصوفية. كان على المذهب الشافعي، وهو مذهب أغلب الأكراد المسلمين في العراق. ولد في لبنان، ومن ثم انتقل إلى الموصل لينقطع إلى عبادة الواحد الأحد, ويقال: إنّ لهذا الشيخ نسباً ينتهي إلى يزيد بن معاوية الأُموي. لم يُعرف تاريخياً سنة ميلاده، لكن سنة الوفاة كاد أن يكون الاتفاق عليها عند المؤرخين هو عام 557 هجري أي سنة 1162 ميلادية. توفي في بلدة الهكارية، ودفن في زاوية عبادته في لالش، وهي من الأماكن المقدسة عند اليزيدية، حيث تزار وتوجه له فرائض العبادة والتقديس. ومزاره بمثابة الكعبة عند المسلمين، حيث يطوف اليزيديون حوله. 


يذكر أنور الأُموي في كتابه اليزيدية، حول علاقة وصداقة عدي بن مسافر بالشيخ عبد القادر الكيلاني، فيقول: <لقد كان الشيخ عدي بن مسافر ’ موضع تقويم وتقدير الشيخ عبد القادر الكيلاني، فكان يعظمه ويثني عليه كثيراً, وشهد له بالسلطنة على الأولياء، وقال فيه: (لو كانت النبوة تنال بالمجاهدة لنالها الشيخ عدي بن مسافر)> ().


ويقول الباحث رشيد خيون في كتابه : <ليس هناك شك في أنّ عدي بن مسافر كان مسلماً على المذهب الشافعي ومتصوفاً, والصلة بين التصوف والمذهب الشافعي معروفة...>().


السؤال الذي يطرح نفسه، ما هي علاقة المسلم المتصوف بتأسيس هذا الدين ؟ ولماذا نلاحظ وجود تقاليد إسلامية كثيرة في الديانة اليزيدية؟ 


ينقل التاريخ أنّ عدي بن مسافر قد حج بيت الله الحرام مع عبد القادر الكيلاني قبل وفاته بعام, فهل يُعقل أن يؤسس مسلم مؤمن ديناً جديداً ! فإن ذلك يقتضي الانسلاخ من الإسلام والارتداد عنه. 


فمتى أُسس هذا الدين؟ 


وأخيراً يرد الإشكال في أنّ اليزيدية يعتقدون بيزيد، وهو أمّا أن يكون لهم إلهاً أو رسولاً، فكيف وهو مدعٍِ لخلافة المسلمين؟!


فمن هنا قيل: إنّ هذه الديانة إيزدية، وترجع في جذورها إلى ديانة إبراهيم× , وعدي المسلمين غير عدي الإيزديين. لقد تصوّر سكان الجبال يزيد هو إيزد، فانطلقت عليهم التسمية. ومن أهم أسباب الغموض عن اليزيدية كونها من الديانات الباطنية جداً. 


كانت النزعة الصوفية ولا تزال سمة من سمات الديانة اليزيدية، وهي تعتمد الزهد والنسك والتصوف والتفرغ للعبادة والانصراف إلى الطقوس، وترك مباهج الحياة ونعيم الجسد، وتصفية القلب في محبة الله وذكره.


 


كتابهم المقدس


لهم كتابان مقدّسان أحدهما (الجلوة)، وثانيهما (مصحف روش)، أي المصحف الأسود، وفيه مسألة الخلق وتكوين العالم وأصل اليزيدية، وهما باللغة الكردية ومن تأليف عدي بن مسافر. يقال إنّ عدد كلمات الكتابين لا يتعدى الألف كلمة، وهما من الكتب السرية, حيث لم يتسنّ للكثيرين قراءتهما, ولا نعلم لماذا؟ أليس الكتب السماوية للمندائيين واليهود والمسيح والإسلام موجودة وميسورة لمن يريد قراءتها؟ 


ومن أهم مصادرهم الدينية هو ما يعرف بعلم الصدر، ويعني انتقال العلوم بين صدور رجال الدين من جيل إلى جيل، وهي الروايات الشفهية. 


ولا نعلم لماذا تعليم القراءة والكتابة حرام وممنوع على اليزيديين؟ ولماذا إلى وقت متأخر كان منحصراً في إحدى العائلات الدينية فقط؟


معتقداتهم


نذكر فيما يلي أهم اعتقادات اليزيدية التي تميزهم عن غيرهم من أتباع الديانات الأُخر:


أولاً: التوحيد، فهم يعتقدون أنّ الله هو الواحد الأحد لا مثيل ولا نظير له، وهو الرب الذي أمر إبراهيم الخليل ببناء الكعبة المشرفة، حيث انتهت إدارة شؤونها إلى الأُمويين.


إذن، هم من أتباع إسماعيل وإبراهيم‘ وينبذون عبادة الأصنام.


ثانياً: تقديس وتعظيم طاووس الملك، أي رئيس الملائكة جبرائيل الأمين، حيث يعتقدون أنّ الله خلق المخلوق الأول وهو جبرائيل يوم الأربعاء، وأمر الله جبرائيل بخلق ستة ملائكة, واليوم المقدس عند الملة اليزيدية يوم الأربعاء، وهو عطلتهم الرسمية والدينية.


ثالثاً: إنّ يزيد بن معاوية سلطان، وجدّ الملة اليزيدية. وعدي بن مسافر هو الذي أكمل وجدّد وأعلن الديانة بشكل رسمي، كما نراها اليوم. وسيعود يزيد ذات يوم ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً.


رابعاً: عدم الإيمان بوجود شيطان أصلاً, ويعتقدون أنّ الخير والشر كله من الإنسان. وإذا كان هناك وجود للشيطان، فهو مخلوق لله. بناء على ذلك، فالله تعالى شريك معه في الشر. فعليه، لا يعتقد اليزيديون بوجود إبليس والشيطان, وعبادتهم له تهمة باطلة. 


لكنّ الغريب أن نرى ردّة فعل أحدهم عندما يُذكر اسم الشيطان عندهم. أتذكر أنّ أحد أعضاء المجلس الوطني العراقي من الطائفة اليزيدية سنة 2005م انتقد ذكر الاستعاذة من قبل زميل له.


يذكر رشيد الخيون في كتابه حول هذا الموضوع فيقول: <أمّا تسميتهم بعبدة الشيطان فأساسها أنّ الإيزديين يرفضون الجمع بين حرفي الشين والطاء، ويحرّمون البصاق على الأرض> ().


خامساً: إنهم شعب الله المختار، ولغتهم الكردية هي لغة أهل الجنة. 


سادساً: لا يجوز لليزيدي أن يتزوج بغير اليزيدية والعكس صحيح.


طقوسهم الدينية


1 ـ الشهادة


وهي: أشهد أن لا إله إلاّ الله, وسلطان يزيد حق حبيب الله. ويلاحظ أن يزيد بمثابة النبي عندهم.


2 ـ الصلاة


يصلّون في اليوم والليلة صلاتين، صلاة الشروق، وصلاة المغرب. قبلتهم التوجه إلى الشمس، وتقام الصلاة وقوفاً، وفي الغروب يتوجهون إلى طرف غروب الشمس. أمّا في ليلة القدر اليزيدي، فهي عندهم ليلة مباركة، يصلّون ويعبدون الله من المغرب إلى شروق الشمس، وعندهم هذه الليلة خير من ألف شهر.


3 ـ الصوم


لليزيدية أربعة أنواع من الصيام:


أولها: بمناسبة ميلاد يزيد بن معاوية، حيث يصومون ثلاثة أيام قبل ميلاده، ويوم مولده، وتقع هذه الأيام الأربعة في الأُسبوع الثاني من شهر كانون الأول, وتبدأ بيوم الثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة، وهو يوم ميلاد يزيد. هذا الصوم يدل على مدى اعتقاد وحبّ اليزيديين للأُمويين، ويزيد بشكل خاص.


ثانيها: صوم الأربعينية، وهو صوم أربعين يوماً في الشتاء.


ثالثها: صوم أربعين يوماً في الصيف.


ورابعها: صوم عيد الخضر× .


أمّا وقت الصوم، فهو من الفجر إلى غروب الشمس.


4 ـ الزكاة


هي تبرعات من أبناء الملة، اليزيدية إلى فقراء الملة ولتشييد وإدارة مزاراتهم المقدسة، حيث تعطى هذه الأموال بعد جمعها إلى رئاسة الملة.


5 ـ الحج


من واجبات الديانة اليزيدية أداء فريضة الحج بالسنة مرة، ويصادف الشهر العاشر من السنة الميلادية, والحج يكون في منطقة لالش، والوقوف يكون على أحد الجبال المجاورة لمرقد الشيخ عدي بن مسافر الذي يسمّى جبل عرفات، وتحت هذا المرقد عين ماء تسمّى ماء زمزم، حيث يعتقدون أنّ عدي بن مسافر بكرامته ضرب الأرض فخرج منها الماء.


واليزيدي في حجّة يطوف حول مرقد عدي بن مسافر سبعة أشواط، ويقبّل الحجر الأسود، ويجب على كل يزيدي أن يذبح أُضحية, وإن كان طيراً. ومدة الحج بأكملها تستغرق ثلاثة أيام.


ومن الواضح وجود بصمات الإسلام على هذه الديانة, وذلك يمكن أن يكون مردّه إلى أنّ الشيخ عدي بن مسافر كان مسلماً. 


 


الأعياد اليزيدية


هناك ثمانية أعياد دينية عند اليزيديين هي: 


أولاً: عيد ميلاد يزيد بن معاوية


يبدو أنّه من أعيادهم المهمة؛ لأنّ فيه صيام أربعة أيام كما قدّمنا، حيث يصادف أول يوم جمعة من الأُسبوع الثاني من شهر كانون الأول.


ثانياً: عيد رأس السنة


ويصادف هذا العيد يوم الأربعاء من شهر نيسان، أول الربيع. ويسمونه ( سر صالي )، إذ يعتقدون أنّ في هذا اليوم يصادف نزول الروح على الأرض.


ثالثاً: عيد بيلندة


ومعناه بالعربية ميلاد الطفل، ويصادف في الرابع من شهر كانون الثاني، وهو من الأعياد المقدسة، إذ يشبه عيد ميلاد المسيح، أو المهدي المنتظر# عند المسلمين. 


رابعاً: عيد خضر إلياس


ويدّعي اليزيديون أن خضر بمعنى رب العالمين وإلياس بمعنى الطاووس جبرائيل، وقد نزلا إلى الأرض بهذا الاسم، ويصادف يوم الخميس في الثاني من شهر شباط. 


خامساً: عيد الأضحى المبارك


هذا العيد يقع في شهر ذي الحجة بعد الانتهاء من مراسيم الحج، ويجب على كل يزيدي أن يذبح الأُضحية، كما تقدّم في بيان الحج خامس طقوسهم الدينية.


سادساً: عيد الجماعة


وهو يوم وفاة عدي بن مسافر، وهو يوم إعلان الديانة اليزيدية.


سابعاً: ليلة القدر


يوم مقدس يصادف تاريخه كما هو عند المسلمين، وهي بمثابة ألف ليلة من العبادة.


ثامناً: عيد الأربعانية


عيد بعد صيام الأربعين يوماً في الشتاء والصيف، مثل عيد الفطر عند المسلمين.


وعندهم أعياد تقليدية أُخر، لكنها ليست بمستوى الأعياد المذكورة من الأهمية والتقديس.


تجدر الإشارة إلى أنّ من الأماكن المقدسة عند اليزيديين هي منطقة لالش، حيث يكون فيها الحج، ويعتقدون نزول جبرائيل فيها, وزاد في قدسيتها وجود مرقد عدي بن مسافر فيها.


 


يزيديو العراق


أنّ الأقوام التي اعتنقت الديانة اليزيدية هي من أقدم القوميات في العراق، وقد سكنوها منذ آلاف السنين, وأكثر أتباع هذه الديانة من كرد العراق وفيهم القلة من العرب, وكانت ديانة هذه المجاميع من الناس قبل اعتناقها اليزيدية هي الزرادشتية واليهودية والمسيحية ثم الإسلام، لكن بمرور الزمان ظهروا كديانة جديدة. 


يذكر رشيد خيون في كتابه: <...فهناك ست مدارس إيزيدية بدهوك وحدها, يدرّس فيها منهاج ديانتهم (إيزيدي)، ولا تتمتع المدارس الإيزيدية التي ببعشيقية وسنجار والقسم الآخر من شيخان بهذا الامتياز> ().


يقدّر عدد اليزيديين في العالم حسب أرقام المفوضية العليا لشؤون اللاجئين بحوالي 800 ألف يزيدي يعيش حوالي 550 ألف منهم في العراق.


 


الخلاصة


1 ـ اليزيدية أو الإيزدية تؤمن بالله الواحد، وتقدّس الطاووس الملك (جبرائيل)، ويزيد بن معاوية، وعدي بن مسافر الأُموي، حيث هو المبشّر بالديانة.


2 ـ يقطنون في شمال العراق في محافظة نينوى (الموصل)، والإحصائيات الرسمية تقدّرهم بحوالي نصف مليون نسمة.


3 ـ يوم الأربعاء يوم مقدس عندهم، وهو يوم عطلتهم الرسمية، حيث يعتقدون أن بداية الخلق كانت في مثل هذا اليوم.


4 ـ من أهم طقوسهم الصلاة والصوم والحج والزكاة وغيرها. 


5 ـ يوم ميلاد يزيد بن معاوية من أهم الأعياد الدينية عندهم.


6 ـ ديانة باطنية غير تبشيرية, يشوبها الكثير من الغموض والتشويه.


7 ـ كتبهم المقدّسة أحدها (الجلوة)، والثاني(مصحف روش)، أي المصحف الأسود، ويعتمدون في تناقل عقيدتهم وتعاليمهم الدينية على علم الصدور بشكل كبير جداً، وهو المصدر الرئيس عندهم في التعليم الديني.


8 ـ يقال إنّ نشأة هذه الديانة كانت بدافع سياسي، حيث يعتقدون أنّ المخلّص في آخر الزمان هو من البيت الأُموي والسلطة له.


9 ـ أتباع الديانة اليزيدية من الأقليات التي عانت وظُلمت واضطُهدت من عموم الحكومات التي تعاقبت على حكم العراق، وبالخصوص أيام العثمانيين، حيث قصدوا التدليس والتشويه والكذب عليهم. 


 


الفصل الخامس: البهائية


 


 


 


 


 


 


 


الفصل الخامس


 


البهائية


 


 


 


 


 


 


 


البابية وظهور البهائية


 


البهائية ديانة حديثة جداً قياساً بالأديان الأُخر, حيث كان أتباعها في بداية أمرهم مسلمين شيعة متدينين، بل وبعضهم من رجال الدين ففي عام 1844م أعلن علي محمد رضا الشيرازي (مواليد 1819م) من مدينة شيراز الإيرانية أنه (الباب) لمن يُنتظر ظهوره، أي الإمام المهدي#، وكان عمره آنذاك خمس وعشرون سنة, وفي تلك الفترة كانت هناك حركات ليست بقليلة تدّعي قرب ظهور الإمام المهدي، منها الشيخية.


ألّف الشيرازي كتاب البيان. وكان أول من آمن بالباب حسين بشروئي، ومن بعده 17 شخصاً آخرين منهم امرأة تلقب بالطاهرة أو قرة العين، ثم التحق بهم وآمن بالدعوة الجديدة بعد ذلك شاب معروف بنبله اسمه ميرزا حسين علي نوري من أهالي طهران. فمجموع الذين آمنوا بالباب في البداية 18 شخصاً لقبوا بكلمة (حي)؛ لأنّ الحاء والياء بحساب الحروف الأبجدية جمعها يساوي ثمانية عشر، والأخير كان له الدور البالغ والكبير في تطوير دعوة الباب، حيث سُمّي باسمه فيما بعد، ولقّب ميرزا حسين علي نوري (بهاء الله), والديانة البهائية تنتسب له. 


وإليك أسماء الأشخاص الثمانية عشر الذين يشكّلون مجموع حروف الحي (تسلسل الأسماء حسب أسبقية إيمانهم):


1 ـ الملا حسين بشروئي أول من آمن بالباب ولقّب بــ (باب الباب) 


2 ـ محمد حسن بشروئي 


3 ـ محمد باقر بشروئي 


4 ـ الملا علي البسطامي 


5 ـ الملا خدابخش قجاني 


6 ـ الملا حسن الباجستاني 


7 ـ السيد حسين اليزدي ـ كاتب الباب 


8 ـ الملا محمد روضة خان اليزدي 


9 ـ سعيد الهندي 


10 ـ الملا محمود الخوئي 


11 ـ الملا جليل الأورومي 


12 ـ الملا أحمد ابدال الماراقيي 


13 ـ الملا باقر التبريزي 


14 ـ الملا يوسف الأردبيلي 


15 ـ الملا هادي القزويني 


16 ـ الملا محمد علي القزويني 


17 ـ فاطمة زرين تاج أم سلمى المعروفة بـالطاهرة 


18 ـ الملا محمد علي البارفروشي المعروف بالقدّوس


وبعد أن شاع أمر البابية، قامت السلطات الإيرانية بالقبض على (الباب) وأتباعه سنة 1847م وإيداعه السجن. وكانت إيران محكومة آنذاك من قبل أُسرة القاجار التركمانية. وفي نهاية المطاف أُعدم (الباب) في تبريز سنة 1850م رمياً بالرصاص أمام العامة رغم وساطة بعض الدول الغربية للصفح عنه من ضمنها روسيا وبريطانيا.


الميرزا حسين علي النوري


الملقّب ببهاء الله، هو مؤسس الدين البهائي. ولد في طهران في 12 نوفمبر/تشرين الثاني1817م في منطقة تدعى (بوابة شمران). وكان والده الميرزا عباس النوري الملقب بميرزا بزرگ من نبلاء إيران، حيث تنحدر سلالة بهاء الله من السلالة الساسانية العريقة، وكانت عائلته تملك أراض واسعة وعقارات متعددة في إقليم نور في مازندران، وتتمتع بمكانة مرموقة في المجتمع الفارسي في تلك الحقبة.


وفي سن الثامنة والعشرين، آمن حسين علي بدعوة الباب سنة 1844م فور اطّلاعه على بعض كتابات الباب التي أرسلها له مع أقرب مؤيديه ملا حسين بشروئي. وصار بهاء الله من أشهر أتباع الباب وأنصار دينه، وقام بنشر تعاليمه وخاصة في إقليم نور، وكانت قد حمته مكانة أُسرته وحسن سيرته من الاضطهاد نوعاً ما خلال السنوات الأُولى من إيمانه بدعوة الباب. ولعب بهاء الله دوراً رئيساً في انتشار دعوة الباب وخاصة خلال مؤتمر بدشت الذي يعتبر نقطة تحول هامة في تاريخ البابية؛ لأنه تمّ من خلاله الإعلان عن استقلال الشريعة البابية عن الإسلام، واعتبارها شريعة مستقلة بأحكامها ومبادئها. واتّخذ حسين علي لنفسه خلال هذا المؤتمر لقب بهاء الله.


وبعد وفاة الباب استمر بهاء الله بترويج دعوة الباب، وتمتع بمكانة قيادية خاصة بين البابيين. وفي سنة 1852م قُبض على بهاء الله وزُجّ به في سجن سياه جال (الحفرة السوداء)، بعد محاولة فاشلة لاغتيال الشاه التي اتّهم بهاء الله بالضلوع فيها رغم عدم توفر الأدلة, ويذكر التاريخ البهائي أنّ بداية نزول الوحي على بهاء الله كانت خلال فترة وجوده في ذلك السجن، ولو أنه لم يفصح بذلك إلاّ بعد مرور 10 سنوات.


 


بهاء الله في العراق


أُطلق سراح بهاء الله من سجنه بعد أن قضى فيه أربعة أشهر ونصف، وذلك بعد اعتراف الأشخاص الحقيقيين بمحاولة اغتيالهم الشاه. وعقب خروج بهاء الله من السجن نفي فوراً من وطنه إلى مدينة بغداد التي كانت وقتها تحت الحكم العثماني، ماكثاً فيها عشر سنوات.


يذكر التاريخ البهائي أنه كان لبهاء الله علاقة طيبة مع أهل المنطقة في بغداد. وقد زاره العديد من معاصريه من علماء بغداد، ومن ضمنهم ابن الآلوسي مفتي بغداد الشهير، والشيخ عبد السلام، والشيخ عبد القادر، والسيد الداودي، ووفود عديدة من أصحاب الشأن ونبلاء البلاط العثماني والفارسي.


يُذكر أنّ بهاء الله أعلن دعوته كصاحب رسالة مستقلة إلى بعض أتباعه في حديقة على ضفاف نهر دجلة سمّيت فيما بعد بـ (حديقة الرضوان)، وكان ذلك قبل رحيله عن بغداد. وهناك ـ في بغداد ـ استقر بهم المقام في منازل بسيطة استأجروها جماعات ليستمتعوا بصحبة ورؤية حضرة بهاء الله، الذي كان يسكن في محلة الشيخ بشار في منطقة الكرخ قرب جسر بغداد العتيق، حيث عاش قرابة العشر سنوات مع عائلته التي اصطحبها معه في سفره.


خصّص بهاء الله اهتماماته الأُولى لتلبية احتياجات المجتمع البابي المتواجد في بغداد. ووقعت هذه المسؤوليّة على عاتقه؛ لأنّه كان الوحيد الذي سَلِمَ من المذابح من بين زعماء البابيّين ذوي النّفوذ. وأدّت مساعيه لجمع شمل أتباع الباب الذين لجأوا إلى العراق إلى إثارة الحسد والاختلاف بين أقلية من أتباع الباب. وكان أساس هذه المشكلات ميرزا يحيى المعروف بلقب (صبح الأزل)، وهو أخو بهاء الله من أبيه ويصغره سنّاً. وكان الباب قد عيّن ميرزا يحيى وهو لا يزال في سنّ يافعة تحت رعاية بهاء الله ليكون زعيماً رمزيّاً لجماعة البابيّة، حتى مجيء (من يظهره الله) القريب الحدوث. ووقع الميرزا يحيى تحت سيطرة أحد أتباع الباب المعروف بالسّيد محمّد الأصفهاني، وهو فقيه إسلامي سابق.


بدأ ميرزا يحيى بتأثير من الأصفهاني بمجافاة أخيه، وزرع الفتنة والخلاف بين صفوف البابيين. ولم تكن أعمال ميرزا يحيى علنيّة، وإنما سعى لإثارة القلاقل والاضطراب بطريق خفي، مما كان له تأثيرات هدّامة على معنويّات مجموعة المنفيّين في العراق. واستمر ميرزا يحيى (صبح الأزل) بتصعيد الخلاف بين أتباعه وأتباع (بهاء الله) إلى أن وصل الأمر به أن حاول قتل أخيه حسين علي (بهاء الله) بالسُم.


وبعد أن تأزمت العلاقة بين (حسين علي) وأخيه، ترك حسين علي (بهاء الله) الجالية، وذهب إلى جبل (سركلو) في مدينة السليمانية في جبال كردستان (العراق) للاعتكاف والتعبد والصلاة والصيام. فلقد احترمه علماؤها وقادتها، فجاء للقائه الأكراد من علماء الصوفية الذين كانوا قد سمعوا عنه خلال فترة عزلته التي دامت سنتين في منطقة السليمانية. 


وصف (بهاء الله) سبب هجرته هذه في كتاب الإيقان بقوله: <كان مقصودي من ذلك أن لا أكون علة اختلاف الأحباب، ولا مصدر انقلاب الأصحاب، وأن لا أكون سبباً في ضرّ أحد، ولا علة لحزن قلب> ().


وساءت حال البابين بقيادة (الأزل)، وغياب (بهاء الله) الذي لم يعد إلى بغداد إلاّ بعد سنتين، أي سنة (1856م)، بعد أن أثمرت جهود البابين بالبحث عنه والعثورعليه، وإلحاحهم عليه بالعودة لقيادة أتباع الباب ولمّ شملهم. ورغم أنّ فترة العامَيْن التي قضاها بهاء الله في جبال كردستان العراق كانت فترة قاسية، اتّسمت بالعَوز والحرمان، والمتاعب الجسديّة، فقد وصفها بأنّها كانت مليئة بالسّعادة؛ لأنّها أتاحت له فرصة الدعاء والتّأمُّل والتقرب إلى الله. 


بقي (بهاء الله) في بغداد حتى سنة 1863م، حيث أعلن دعوته قبل إبعاده في ذلك العام. ورفض ميرزا يحيى الاعتراف بإعلان بهاء الله عن رسالته، ولم يكن له أيّ إسهام في نموّ الدّين البهائيّ الذي كانت بدايته ذلك الإعلان.


النفي من العراق إلى تركيا ثم فلسطين


نتيجة ضغوط الحكومة الإيرانية، نُفي بهاء الله مع أخيه صبح الأزل بعد ذلك من بغداد إلى إسطنبول، وبقيا هناك خمس سنوات. ثم أُُبعد صبح الأزل إلى جزيرة قبرص، أما حسين علي فقد نفي إلى مدينة عكا الساحلية في فلسطين سنة 1868 م.


وكان حبس بهاء الله ونفيه اللذين داما طوال الأربعين سنة الأخيرة من حياته؛ لغرض التخلّص منه والحدّ من انتشار نفوذ دعوته. 


وأثناء وجود بهاء الله في مدينة أدرنة، زاد الخلاف بينه وبين أخيه الذي كان يصرّ على زعامته للحركة البابية، حسب وصية الباب. وانتهى هذا الخلاف بدعوة بهاء الله العلنية سنة 1866م بأنه هو الذي بشّر الباب بقدومه بكنية (من يظهره الله)، وموعود الظهورات التي سبقته.


 


تاريخ الحركة البهائية


هناك ارتباط وثيق بين تاريخ البابية والبهائية. ويعتبر البهائيون الباب المبشّر بالدين البهائي، والممهد لظهور بهاء الله. وفيما يلي بعض الوقائع التاريخية المهمة التي أدّت إلى نشوء الدين البهائي وانتشاره.


أثناء وجود الباب في السجن قام بهاء الله الذي كان على اتصال بالباب عن طريق المراسلة المستمرة بتنظيم مؤتمر للبابية في صحراء بدشت الإيرانية سنة 1848م، والإشراف عليه بصورة غير مباشرة. ولقد قام اثنان من أتباع الباب، وهما: القدوس، والطاهرة، بالمساعدة بتنظيم المؤتمر وتطبيق برنامجه الذي كان يهدف إلى توضيح تعاليم شريعة الباب، والفصل الكامل بين البابية والإسلام. ولعبت الطاهرة دوراً رئيساً في تحقيق هذا الهدف. ويعتبر هذا المؤتمر من أهم الوقائع في التاريخ البابي، حيث أدّت أحداثه إلى إيضاح الفرق بين الديانة البابية والإسلام. 


ولقد ظهرت أُم سلمى زرّين تاج (الطاهرة) في المؤتمر من دون حجاب، وألقت بياناً بليغاً على الحاضرين من الرجال بطلاقة وحماسة. ورغم أنها كانت معروفة بالعلم والذكاء وحسن السيرة والسلوك، فإن سلوكها هذا اعتبر في ذلك الوقت خروجاً عن العادات والتقاليد والمبادئ الإسلامية، وأدى إلى اضطراب في نفوس بعض الحاضرين الذين تركوا المؤتمر بهلع وفزع؛ لقيامها بما اعتبروه خرقاً وخروجاً عن العادة والعرف الاجتماعي. ولقد دفعهم ما قامت به (الطاهرة) إلى إدراك الاختلاف الجذري بين البابية والإسلام في السلوك والعبادات. ودعت الطاهرة بقية الحاضرين إلى الاحتفال بهذه المناسبة العظيمة لما لها من أثر بالغ على تطور البابية.


 


كتابهم ونبيهم


كتب بهاء الله خلال الأربعين سنة التي قضاها في الحبس والنفي العدد الوفير من الكتب والرسائل باللغتين العربية والفارسية، ومن كتبه المشهورة: الكتاب الأقدس، الذي دوّن فيه أحكام الدين البهائي؛ وكتاب الإيقان؛ وكتاب الوديان السبعة؛ وكتاب الكلمات المكنونة وغيرها . وخلال إقامته في أدرنة سنة 1866 وما بعدها. وخلال سجنه في قلعة عكا سنة 1868، أرسل بهاء الله عدة رسائل معنونة إلى ملوك وسلاطين ذلك العصر، ولبابا الكنيسة الكاثوليكية، أعلن لهم فيها عن مقامه، ودعاهم فيها إلى نبذ الخلافات، وإلى العمل من أجل وحدة العالم، ومن أجل السلام. وكان من بين هؤلاء، السلطان عبد العزيز وناصر الدين شاه ملك إيران، ونابليون الثالث، والملكة فيكتوريا ملكة بريطانيا، وملك النمسا، وقيصر روسيا وغيرهم.


إنّ البهائية يؤمنون بجمع الأنبياء والرسل، ويقولون أنّ ميرزا حسين علي النوري (بهاء الله) هو رسولهم المباشر, وكذلك يعتقدون بأنّ الفاصلة بين كل نبي وآخر لا تقلّ عن ألف عام؛ ليأتي نبيّ جديد، مُدّعين بأنّ كتابهم المنزل من السماء ناسخ لجميع الشرائع والكتب السابقة.


وقرب نهاية بهاء الله ، تراخت صرامة الحبس وتطبيق أحكام السلطان عبد العزيز شيئاً فشيئاً. ورغم أنه كان لا يزال سجيناً رسمياً، فلقد سُمح لبهاء الله أن يقضي آخر سنوات عمره في بيت واسع في إحدى ضواحي مدينة عكا، كان قد اشتراه ابنه عباس أفندي (عبد البهاء)، واستمر بهاء الله في الكتابة في سنواته الأخيرة في هذا البيت الذي يُسمى بـ(قصر البهجة).


وعند وفاة بهاء الله في عكا سنة 1892م، وهو في سن الخامسة والسبعين, دفن في إحدى الغرف في البيت المجاور لقصر البهجة.


 


مقتطفات من كتب بهاء الله


قد عبّر بهاء الله عن تمجيده وإجلاله للخالق العظيم إذ قال:


<سبحانك اللّهم يا إلهي! كيف أذكرك بعد الذي أيقنت بأن ألسن العارفين كلّت عن ذكرك وثنائك، ومُنعت طيور أفئدة المشتاقين عن الصّعود إلى سماء عزّك وعرفانك. لو أقول يا إلهي بأنك أنت عارف، أُشاهد بأن مظاهر العرفان قد خُلقت بأمرك. ولو أقول بأنك أنت حكيم، أُشاهد بأنّ مطالع الحكمة قد ذُوِّتَت بإرادتك. وإن قلتُ بأنك أنت الفرد، أُلاحظ بأنّ حقايق التفريد قد بُعثت بإنشائك. وإن قلتُ إنك أنت العليم، أُشاهد بأنّ جواهر العلم قد حُقّقت بمشيئتك، وظهرت بإبداعك، فسبحانك سبحانك من أن تشير بذكر أو توصف بثناء أو بإشارة؛ لأنّ كل ذلك لم يكن إلاّ وصف خلقك، ونعت أمرك واختراعك، وكلّما يذكرك الذاكرون أو يعرج إلى هواء عرفانك العارفون، يرجعُنّ إلى النقطة التي خضعت لسلطانك، وسجدت لجمالك، وذُوّتَت بحركة من قِبَلك...>.


أكد بهاء الله بأن الله عزّ وجلّ منزّه عن إدراك كل مدرك، يعجز العقل البشري كل العجز عن أي تصوّر واضح لذاته أو وصف تلك الذات أو معرفة حقيقتها، إذ لا يعرف ذاته وكنه حقيقته إلا هو، فإجمالاً لا يعرف الله إلاّ الله: 


<سبحانك سبحانك من أن تذكر بذكر وتوصف بوصف أو تثنى بثناء، وكل ما أمرت به عبادك من بدايع ذكرك وجواهر ثنائك هذا من فضلك عليهم ليصعدنّ بذلك إلى مقر الذي خُلِقَ في كينونتهم من عرفان أنفسهم، وأنك لم تزل كنت مقدّساً عن وصف ما دونك وذكر ما سواك، وتكون بمثل ما كنت في أزل الآزال، لا إله إلاّ أنت المتعالي المقتدر المقدس العليم...>.


<إعلم أنّ العرفان على قسمين: معرفة ذات الشيء، ومعرفة صفاته، ومعرفة الذات تكون بمعرفة الصفات ليس إلاّ، حيث إنّ الذات مجهولة غير معلومة، ولما كانت معرفة الأشياء بالصفات لا بالذات وهي مخلوقة محدودة، فكيف إذاً يمكن معرفة حقيقة الذات الإلهية وهي غير محدودة... 


لهذا فمعرفة الله عبارة عن إدراك الصفات الإلهية وعرفانها لا إدراك الحقيقة الإلهية، ومعرفة الصفات أيضاً ليست معرفة مطلقة، بل إنما تكون بقدر استطاعة الإنسان وقوّته، والحكمة عبارة عن إدراك حقائق الأشياء كما هي، أي على ما هي عليه، وذلك بقدر استطاعة الإنسان وقوته، لهذا فليس هناك سبيل للحقيقة الحادثة لإدراك كنه الذات، بل إنها فقط تدرك الصفات القديمة بقدر الطاقة البشرية، فغيب الذات الإلهية مقدّس منزّه عن أن تدركه الموجودات، وكل ما يدخل تحت التصوّر إنما هو إدراكات إنسانية، فقوّة الإدراك الإنساني لا تحيط بحقيقة الذات الإلهية...>.


 


بعض الأحكام البهائية


أولاً: الصلاة


الصلاة تؤدّى مرّة في كل أربع وعشرين ساعة، وهناك ثلاثة أنواع من الصلوات البهائية اليومية، وعلى الفرد اختيار أحدها لأدائها. نذكر هنا أحد هذه الصلوات:


يجب أن يقوم المصلي مقبلاً إلى الله، وإذا قام واستقر في مقامه ينظر إلى اليمين والشمال كمن ينتظر رحمة ربّه الرحمن الرحيم ثم يقول:


<يا إله الأسماء، وفاطر السماء، أسألك بمطالع غيبك العليّ الأبهى بأن تجعل صلواتي ناراً لتحرق حجباتي التي منعتني عن مشاهدة جمالك، ونوراً يدلّني إلى بحر وصالك. 


ثم يرفع يديه للقنوت لله تبارك وتعالى ويقول:


يا مقصود العالم، ومحبوب الأُمم، تراني مقبلاً إليك منقطعاً عمّا سواك، متمسكاً بحبلك الذي بحركته تحركت الممكنات. أي ربّ أنا عبدك وابن عبدك. أكون حاضراً قائماً بين أيادي مشيتك وإرادتك، وما أُريد إلاّ [رضاؤك].


أسئلك ببحر رحمتك وشمس فضلك بأن تفعل بعبدك ما تحب وترضى. وعزتك المقدّسة عن الذكر والثناء، كل ما يظهر من عندك هو مقصود قلبي ومحبوب فؤادي. إلهي إلهي لا تنظر إلى آمالي وأعمالي، بل إلى إرادتك التي أحاطت [السماوات] والأرض. واسمك الأعظم يا مالك الأُمم ما أردت ألا ما أردته، ولا أُحبّ إلاّ ما تحبّ> وبذلك تتم الصلاة.


ويعتبر مرقد بهاء الله أحد الأماكن المقدسة، وهو قبلة البهائيين في صلاتهم.


الصلاة عند البهائيين انفرادية، ويقوم بها الشخص عادة في البيت، ولا تمارس صلاة الجماعة إلا في دفن الميت. ويجتمع البهائيون للمشاركة في قراءة الأدعية والمناجاة أو للمشاورة بصورة منتظمة أمّا في البيوت أو في الأماكن العامة أو في أبنية خاصة لهذه الأغراض. ويوجد أيضاً في الوقت الحاضر دور عبادة تسمى بمشارق الأذكار عددها الحالي سبعة، وهي أبنية مخصصة للعبادة، ولها ملحقات مخصصة للمشاريع الخيرية. ومع أنّ مشارق الأذكار هذه تختلف من حيث التصميم والشكل إلا أنّ لكل منها قبة، وتسعة جوانب، وتسعة مداخل مفتوحة للجميع من كل الأديان.


ثانياً: الصوم


 الامتناع عن الأكل والشرب من الشروق إلى الغروب خلال الشهر الأخير في السنة البهائية. 


ثالثاً: تحريم المشروبات الكحولية والمخدرات وكل ما يذهب به العقل. 


رابعاً: تحريم تعدد الزوجات, وعند الزواج يشترط موافقة الطرفين، ورضاء الوالدين عند الزواج، وقراءة آية معينة وقت عقد القران بحضور شهود العيان، والآية هي: <يقول الزوج: إنا لله راضون، والزوجة: إنا لله راضيات>. 


خامساً: تحريم النشاط الجنسي إلا بين الزوج وزوجته. 


سادساً: قوانين لتقسيم الإرث (في حالة عدم توفر الوصية)، وتحديد عقوبات القتل والحرق والزنا والسرقة ... الخ.


 


التقويم البهائي


للبهائيين تقويم شمسي جديد، وللسنة البهائية تسعة عشر شهراً، ولكلّ شهر تسعة عشر يوماً. أمّا الأيام الأربعة (في السنة البسيطة) أو الخمسة (في السنة الكبيسة) اللازمة لإكمال السنة إلى 365 يوماً، فتسمى بأيام الهاء ـ حرف الهاء في الحساب الأبجدي يساوي الرقم 5 ـ ولا تحسب ضمن الأشهر، بل تقع قبل الشهر الأخير (شهر الصيام).


أسماء الأشهر، وكذلك أسماء الأيام تحكي عن بعض الصفات الإلهية، منها شهر العلاء، وشهر الجلال، وشهر الكمال وغيرها. وتبدأ السنة البهائية يوم الاعتدال الربيعي في النصف الشمالي من الكرة الأرضية (عادة يوم 21 مارس/ آذار)، وهو أحد الأعياد البهائية، ويسمى يوم النوروز.


يبدأ التقويم البهائي في سنة 1844م/ 1260هـ، ويسمّى بتقويم البديع، ومجموع الأيام المقدسة البهائية ما (بين الأعياد وأيام التذكر) هي تسعة أيام، لا يجوز فيها العمل (إلا عند الضرورة).


 


بهائيو العراق


يُقدّر عدد البهائية في العالم حوالي خمسة ملايين نسمة. أمّا في العراق فيقدّرون بالمئات, ووجودهم من وجود علي حسين النوري (بهاء الله)، وأغلبهم من القومية الفارسية إلا القليل من العراقيين العرب. وكما عرفنا تربط البهائية بالعراق رابطة وعلاقة دينية، حيث أعلن بهاء الله عن دينه الجديد في حديقة الرضوان ببغداد.


 


الخلاصة


1 ـ في عام 1844م أعلن علي محمد رضا الشيرازي مواليد 1819م من مدينة شيراز الإيرانية أنه (الباب) لمن يُنتظر ظهوره، أيّ الإمام المهدي #.


2 ـ الميرزا حسين علي النوري الملقّب ببهاء الله، هو مؤسس الدين البهائي 1817 – 1892م.


3 ـ مؤتمر بدشت الذي يعتبر نقطة تحول هامة في تاريخ البابية؛ لأنّه تمّ من خلال المؤتمر عن استقلال الشريعة البابية عن الإسلام واعتبارها شريعة مستقلة بأحكامها ومبادئها.


4 ـ إنّ بداية نزول الوحي على بهاء الله كان خلال فترة وجوده في السجن، ولو أنه لم يفصح عن ذلك إلا بعد مرور 10 سنوات.


5 ـ إنّ بهاء الله أعلن دعوته كصاحب رسالة مستقلة إلى بعض أتباعه في حديقة على ضفاف نهر دجلة سمّيت فيما بعد بـ(حديقة الرضوان)، وكان ذلك قبل رحيله عن بغداد سنة 1863م.


6 ـ يؤمنون بربّ واحد عادل، وبالمعاد والأنبياء جميعاً، والثواب والعقاب والجنة والنار.


7 ـ نبيهم الميرزا حسين علي النوري الملقّب ببهاء الله، وكتابهم هو (الكتاب الأقدس) الذي فيه جميع أحكام الدين البهائي.


8 ـ لا يتجاوز عددهم في العراق الآن الألف شخص.


 


 


 


 


 


 


 


المصادر


 


 


 


 المصادر


 


1 ـ القرآن الكريم.


2 ـ المعجم المفهرس لألفاظ القرآن, محمد فؤاد عبدالباقي/ طبعة1995م، انتشارات إسلامي.


3 ـ نهج البلاغة, شرح الإمام الشيخ محمد عبده/ مكتب الإعلام الإسلامي1411 هـ .


4 ـ الميزان في تفسير القرآن, العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي/ مؤسسة إسماعيليان1412هـ .


5 ـ الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل, العلامة الشيخ ناصر مكارم الشيرازي وجمع من الأساتذة/ مدرسة الإمام علي بن أبي طالب ×1421 هـ .


6 ـ قبس من تفسير القرآن, الشهيد السيد محمد تقي الخوئي/ التوحيد للنشر 1996م.


7 ـ تفسير القرآن للسيد عبد الله شبر/ دار الأُسوة للطباعة والنشر 1417 هـ .


8 ـ المنجد في اللغة والأعلام / دار المشرق ـ بيروت، الطبعة 35.


9 ـ مذكرات مندائي, غضبان الرومي/ نشر المدى سنة 2007م.


10 ـ الصابئة المندائيون, الليدي دراوور، ترجمة: غضان رومي ونعيم بدوي/ الطبعة الثانية1987م بغداد.


11 ـ الصحف والمواقع الإلكترونية.


12 ـ الكتاب المقدس كنزا ربا / الطبعة السادسة ـ بغداد 2001م.


13 ـ المسائل الشرعية, السيد أبو القاسم الخوئي/ نشر مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي 2000م.


14 ـ الملل والنحل, الإمام محمد بن عبد الكريم الشهرستاني / منشورات الشريف الرضي.


15 ـ العلاقات الاجتماعية بين المسلمين وغير المسلمين، الدكتور بدران أبو العينين بدران/ دار النهضة العربية1984م.


16 ـ التوراة / دار المشرق ـ بيروت، الطبعة السادسة 2000م.


17 ـ سيري درتلمود (فارسي)، آدين اشناين سالتز، ترجمة باقر طالبي دارابي نشر مركز مطالعات وتحقيقات اديان ومذاهب2004م.


18 ـ مقارنة الأديان، أحمد شلبي / الطبعة 12، مكتبة النهضة المصرية 1997م.


19 ـ الأديان والمذاهب بالعراق, رشيد خيون/ منشورات لسان الصدق، الطبعة الاُولى2005م.


20 ـ الأديان والمذاهب، إبراهيم العاتي / الجامعة العالمية للعلوم الإسلامية، المنهج الدراسي للسنة الثالثة لكلية الشريعة.


21 ـ يهود العراق من الازدهار إلى الاندثار (مقال) علي السعدي.


22 ـ التاريخ الحقيقي لليهود, نجيب زبيب/ دار الهادي2001م.


23 ـ الإسلام واليهودية, عماد علي عبد السميع حسيني/ دار الكتب العلمية ـ بيروت2004م.


24 ـ يهوديت ـ مسيحيت ـ إسلام (فارسي)، اف . ئي . بيترز، ترجمة حسين توفيقي/ نشر مركز مطالعات وتحقيقات اديان ومذاهب 2005م.


25 ـ محاور الالتقاء ومحاور الافتراق بين المسيحية والإسلام, غسان سليم سالم/ دار الطليعة للطباعة والنشر ـ بيروت2004م.


26 ـ الإنجيل / دار المشرق ـ بيروت، الطبعة السادسة 2000م.


27 ـ الإيزدية، زهير كاظم عبود. 


28 ـ اليزيدية، أنور معاوية الأُموي/ الطبعة الأُولى ـ السويد2001م.


29 ـ الكتاب الأقدس البهائي.


30 ـ أُصول العقائد البهائية.


31 ـ مجموعة من ألواح بهاء الله.


32 ـ كتاب الإيقان.


آيين كاتوليك (فارسي)، جورج برانتل، ترجمة حسن قنبري / مركز مطالعات وتحقيقات اديان ومذاهب سنة2002م المسيحية، الدكتور أحمد شلبي.


33 ـ معجم تهذيب اللغة، أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت/370هـ)/ تحقيق د. رياض زكي قاسم، طـ . الأُولى 1422هـ/2001م، دار المعرفة ـ بيروت.


34 ـ القاموس المحيط، مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي الشيرازي (ت/817هـ)/ بشرح العلاّمة الشيخ نصر الهوريني، دار العلم للجميع ـ بيروت.


35 ـ كتاب العين، الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت/175هـ)/ تحقيق د. مهدي المخزومي، وإبراهيم السامرائي، طـ . الثانية 1409هـ ، نشر مؤسسة دار الهجرة.


36 ـ ترتيب إصلاح المنطق، أبو يوسف يعقوب بن إسحاق الخوزي المعروف بابن السكيرت (ت/ 244هـ)/ تحقيق وشرح الشيخ محمد حسن بكائي، طـ . الأُولى 1412هـ ، نشر مجمع البحوث الإسلامية، الروضة الرضوية المقدسة.


37 ـ غريب الحديث، أبو عبيد القاسم بن سلاّم الهروي (ت/ 224 هـ)/ تحقيق محمد عبد المعيد خان، طـ. الأُوُلى 1396 هـ ، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية ـ الهند، نشر درا الكتاب العربي ـ بيروت.


38 ـ مختار الصحاح، محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي (ت/ 721هـ)/ تحقيق أحمد شمس الدين، طـ. الأُولى 1415هـ/ 1994م دار الكتب العلمية ـ بيروت.


39 ـ شرح شافية ابن الحاجب، رضي الدين محمد بن الحسن الأسترآبادي النحوي (ت/ 686هـ)/ تحقيق محمد نور الحسن، ومحمد الزفزاف، ومحمد محيي الدين عبد الحميد، طـ . دار الكتب العلمية ـ بيروت 1395هـ .


40 ـ لسان العرب، العلاّمة جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور الإفريقي المصري (ت/711هـ)/ تنسيق وتعليق علي شيري، طـ . الأُولى 1408هـ/ 1988م دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.


41 ـ المحيط في اللغة، كافي الكفاة الصاحب إسماعيل بن عبّاد (ت/385هـ)/ تحقيق الشيخ محمد حسن آل ياسين، طـ . الأُولى 1414هـ/ 1994م، عالم الكتب ـ بيروت.


42 ـ التفسير الصافي، الفيض الكاشاني (ت/ 1091هـ)/ طـ . الثانية 1416 هـ ، مؤسسة الهادي.


43 ـ الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبي)، أبو عبدالله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي (ت/ 671هـ)/ طـ . دار إحياء التراث العربي ـ بيروت 1405 هـ ، نشر مؤسسة التاريخ العربي ـ بيروت.


44 ـ المعجم الوسيط ، لجنة من اللغويين / مجمع اللغة العربية ـ القاهرة، طـ . الثانية 1972، نشر المكتبة الإسلامية ـ اسطنبول.


45 ـ دائرة المعارف الإسلامية، مجموعة من الباحثين والمستشرقين، ترجمها إلى العربية أحمد الشنتناوي، وإبراهيم زكي خورشيد، وعبدالحميد يونس/ دار الفكر ـ بيروت.


46 ـ الموسوعة العربية، لجنة من الأساتذة والباحثين/ رئاسة الجمهورية الغربية السورية، هيئة الموسوعة العربية ـ دمشق.


47 ـ النهاية في غريب الحديث والأثر، ابن الأثير (ت/ 606)/ تحقيق : طاهر أحمد الزاوي، ومحمود محمد الطناحي، طـ . الرابعة، مؤسسة إسماعيليان للطباعة والنشر.


48 ـ مجمع البيان في تفسير القرآن، أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي (ت/ 560 هـ)/ تحقيق لجنة من المحققين، طـ . الأُولى 1415هـ ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت.


49 ـ مفاتيح الغيب (التفسير الكبير)، فخرالدين الرازي محمد بن عمر (ت/ 606هـ)/ طـ . الثالثة، دار الكتب العلمية.


50 ـ قصص الأنبياء، ابن كثير الدمشقي ( ت/ 774هـ)/ تحقيق مصطفى عبدالواحد، طـ . الأُولى 1388هـ / 1968م، دار الكتب الحديثة ـ مصر.


الفهرس


 


 


 


الفهرس


 


المقدمة 2


 


الفصل الأول: الصابئة المندائيون 6


توطئة 7


المعنى اللغوي للصابئة 9


المعنى الاصطلاحي للصابئة المندائيين 12


الصابئة في أقوال العلماء والمفسرين 13


المندائيون اللغة والأصل 16


أنبياؤهم وكتابهم المقدّس 16


عقائدهم وطقوسهم الدينية 18


أولاً: التوحيد 18


ثانياً : التعميد 19


1 ـ مُصْبُتَّه: 19


2 ـ طماشة: 21


3 ـ رشامة: 21


ثالثاً: المعاد 22


رابعاً: العدل 23


خامساً: الصلاة 23


سادساً: الصوم 25


الممارسات الدينية المندائية 26


أولاً: الأعياد 26


ثانياً: الزواج 27


ثالثاً: تقديس الكواكب 27


رابعاً: ذبح الحيوان 28


خامساً: حرمة حلق اللحية 28


صابئة العراق .. مناطق سكناهم وتعداد نفوسهم 29


الخلاصة 30


 


الفصل الثاني: اليهــود 32


توطئة 33


اليهود لغة 34


اليهود اصطلاحاً 35


معنى العبري 36


تاريخ اليهود 36


الهجرة الأُولى 36


الهجرة الثانية 38


الهجرة الثالثة 41


الهجرة الرابعة 42


كتبهم وأنبياؤهم 43


التوراة 43


1 ـ التكوين 44


2 ـ الخروج 44


3 ـ الأحبار أو اللاويون 44


4 ـ العدد 45


5 ـ تثنية الاشتراع 45


التلمود 45


اللغة العبرية 46


أهم عقائدهم وطقوسهم 46


1 ـ التوحيد 46


2 ـ النبوة 47


3 ـ المعاد 47


4 ـ تقديس يوم السبت 47


5 ـ زيارة بيت المقدس 47


6 ـ عيد الفصح 48


7 ـ يوم التفكير 48


8 ـ الهيكل المقدس 48


الوصايا العشر 49


الفرق اليهودية 50


1 ـ العنانية 50


2 ـ العيسوية 50


3 ـ المقاربة واليوذعانية 50


4 ـ السامرة 51


5 ـ الفريسيون 51


6 ـ الصدوقيون 51


7 ـ القراؤون 51


8 ـ الكتبة 52


9 ـ المتعصبون 52


شذرات من تاريخ يهود العراق 52


المزارات والمعاهد والشخصيات اليهودية في العراق 59


الإحصاءات الرسمية ليهود العراق 60


الخلاصة 61


 


الفصل الثالث: المسيحيون 62


مـدخـل 63


النصرانية 63


تاريخ الديانة المسيحية 64


زكريا 64


يحيى 64


يوسف 65


عمران 65


مريم 66


عيسى بن مريم 66


ضرورة بعثة النبي عيسى 69


عالمية رسالة المسيح 70


قصة المسيح 71


النصارى والمسيحيون 72


كتبهم المقدسة 72


الإنجيل 73


الأناجيل الأربعة 74


أعمال الرسل 75


أهم عقائدهم 78


أولاً : التثليث 78


ثانياً: صلب المسيح للتكفير عن خطيئة الإنسان 78


أهم الشعائر المسيحية 79


أولاً ـ التعميد 79


ثانياً ـ العشاء الربّاني 79


ثالثاً: تقديس الصليب وحمله 79


رابعاً: الأحد المقدس 79


الفرق والطوائف المسيحية 79


الأُولى: النسطورية 80


الثانية: الأرثوذوكس 80


الثالثة: الكاثوليك 81


الرابعة: البروتستانية 81


الخامسة: المارونية 82


مسيح العراق 82


1 ـ الطائفة السريانية 83


2 ـ الطائفة الآشورية 84


3 ـ الطائفة الأرمنية 84


4 ـ الطائفة الكلدانية 84


الإحصاءات الرسمية لمسيح العراق 85


الخلاصة 85


 


الفصل الرابع: اليزيدية 87


توطئة 88


تسميتهم وانتسابهم 90


عدي بن مسافر 92


كتابهم المقدس 93


معتقداتهم 94


طقوسهم الدينية 95


1 ـ الشهادة 95


2 ـ الصلاة 95


3 ـ الصوم 95


4 ـ الزكاة 96


5 ـ الحج 96


الأعياد اليزيدية 96


أولاً: عيد ميلاد يزيد بن معاوية 96


ثانياً: عيد رأس السنة 96


ثالثاً: عيد بيلندة 97


رابعاً: عيد خضر إلياس 97


خامساً: عيد الأضحى المبارك 97


سادساً: عيد الجماعة 97


سابعاً: ليلة القدر 97


ثامناً: عيد الأربعانية 97


يزيديو العراق 98


الخلاصة 98


 


الفصل الخامس: البهائية 100


البابية وظهور البهائية 101


الميرزا حسين علي النوري 103


بهاء الله في العراق 103


النفي من العراق إلى تركيا ثم فلسطين 106


تاريخ الحركة البهائية 106


كتابهم ونبيهم 107


مقتطفات من كتب بهاء الله 108


بعض الأحكام البهائية 109


التقويم البهائي 111


بهائيو العراق 111


الخلاصة 112


المصادر 113